الکلام فی بیان ما قیل : من کون الجمع أولی من الطرح
استدلّ علیه الشهید قدس سره بما یرجع إلی قضیّة استثنائیة وصورتها أنّه لو لم یجمع بین الدلیلین المتعارضین لزم إمّا طرحهما أو ترجیح أحدهما بلا مرجّح.
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 311
واستدلّ علیه العلاّمة قدس سره بأنّ دلالة اللفظ علی تمام معناه أصلیة وعلی جزئه تبعیة وعلی تقدیر الجمع یلزم إهمال دلالة تبعیة وهو أولی من إهمال الأصلیة اللازم من الطرح .
أقول : یرد علی الأوّل أنّا نمنع بطلان التالی فیما إذا لم یکن الجمع بین الدلیلین جمعاً متداولاً مرغوباً فیه عند أبناء المحاورة ، بحیث تعارف بینهم التکلّم بهذا النحو . وجه بطلانه أنّه یجب أن یطرح الدلیلان حینئذٍ عند العقلاء، فإنّ الأصل الأوّلی فی المتعارضین مع قطع النظر عن الأخبار العلاجیة هو الطرح ولو فرض وجود مرجّح عقلائی یثبت الترجیح أیضاً وحینئذٍ لیس ذلک من الترجیح بلا مرجّح .
ویرد علی الثانی ، أوّلاً : بالنقض بأنّ فی إعمالهما أیضاً طرح دلالة أصلیة بخلاف الطرح ، فإنّه یعمل بها فی أحدهما .
وثانیاً : بأنّ الموجود فی اللفظ دلالة واحدة وهی الأصلیة ، ولیس هنا دلالة اُخری تسمّی بالتبعیة ، فالإنسان مثلاً له دلالة واحدة علی تمام الموضوع له والدلالة علی الجزء بعین هذه الدلالة لکون الکلّ عین الأجزاء ولیس هنا دلالة اُخری علی الجزء مستقلاًّ بحیاله مع قطع النظر عن الجزء الآخر .
وثالثاً : أنّه لو سلم وجود دلالة اُخری علی الجزء مستقلاًّ فهی وإن کانت فی التحقّق تابعة للدلالة الاُولی ومعلولة لها ، ولکنّها حسب الفرض دلالة برأسها فللّفظ دلالتان ، وحینئذٍ فلا وجه للقول بأولویة إهمال الثانیة ، إذ
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 312
الفرض أنّ لکلّ منهما دلالة مستقلّة .
ثمّ إنّه ربّما یقاس الدلیلان المتعارضان الظنّیان ، تارة : بمقطوعی الصدور المتعارضین ، واُخری : بالخبر الذی لا معارض له ولکن ظاهره مخالف للإجماع ، فکما یجب التأویل فی الصورتین یجب فیما نحن فیه .
أقول : قد أجاب الشیخ قدس سره عن القیاسین بما لا یخفی ما فیه . والتحقیق فی الجواب أنّا لا نسلّم وجوب التأویل فی الصورتین ، بل إن کان فی البین جمع عرفی مطبوع عند أبناء المحاورة فهو وإلاّ أعرضنا عن الجمع الدلالی فیطرح الخبر فی الصورة الثانیة لمخالفته للإجماع ، ویجمع بینهما بالجمع الجهتی الراجع إلی طرح أحدهما فی الصورة الاُولی ، فتدبّر .
ثمّ إنّ المتراءی من مجموع کلمات الشیخ قدس سره إخراج موارد الجمع العرفی عن موضوع التعارض تارة ، وإدخالها فیه اُخری ، مع الحکم بالترجیح الدلالی فیها .
أقول : لیس لنا دلیل دالّ علی الترجیح بهذا العنوان ، بل الموارد التی حکم فیها بالترجیح الدلالی إن رجع الترجیح فیها إلی الجمع العرفی المطبوع عند أبناء المحاورة فهو وإلاّ فلا دلیل علی الترجیح ، بل یرجع فیها إلی سائر المرجّحات . وقد عرفت منّا : أنّ موارد الجمع العرفی خارجة عن التعارض موضوعاً بحسب نظر العرف .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 313