بیان أصالتی الحقیقة والجدّ تعارض الأدلّة والأمارات / بیان أصالتی الحقیقة والجدّ
وأمّا العامّ والمخصّص فتحقیق المقام فیهما أنّ استعمال العامّ وإرادة الخاصّ إنّما یکون بطریقین :
الأوّل : أن یکون استعماله فی الخصوص علی نحو الاستعمالات المجازیة بأن یستعمل فی غیر ما وضع له أو یستعمل فیما وضع له ولکن بادّعاء کون الخاصّ جمیع ما وضع له بأن یقال : «أکرم العلماء» ، ویراد بهم خصوص الفقهاء بادّعاء انحصار العلم فی الفقه .
الثانی : أن یکون استعماله فیه لا بهذا النحو ، بل بأن یستعمل فی العموم من غیر ادّعاء ویراد به جدّاً بعضهم ویعلم ذلک بالاستثناء ونحوه .
أمّا الأوّل ، فحکمه حکم المجاز ، وأمّا الثانی ، فلیس التصرّف فی العموم تصرّفاً فی ظهوره حتّی یقال : بأنّه بسبب أظهریة الخاصِّ، بل هو تصرّف فی الأصل العقلائی ؛ أعنی به أصالة الجدِّ، بل لا وجه لأظهریة الخاصّ أصلاً ، إذ قوله : «أکرم کلّ العلماء» ، وقوله : «لا تکرم کلّ الفسّاق من العلماء» سیّان فیما یرتبط بالظهور اللفظی فإنّ قوله : «أکرم» ظاهر فی الطلب الحتمی ، کما أنّ «لا تکرم» ظاهر فی الزجر الحتمی من غیر مزیّة فی ظهور أحدهما ، وکذا قوله : «کلّ» فی کلیهما ظاهر فی معناه وهو الشمول بل نصّ فیه ، إذ لیس معناه إلاّ الجمیع ولا یمکن أن یستعمل ویراد به البعض بحسب مقام الاستعمال ، وکذلک العلماء والفسّاق کلِ منهما ظاهر، بل نصّ فیما وضع له. وعلی هذا فتقدیم الخاصّ علی قوله : «أکرم کلّ العلماء» لیس بتصرّف فی ألفاظ هذه الجملة وظهوراتها ، بل یکون کلّ منهما مستعملاً فیما وضع له من غیر ادّعاء فی البین أصلاً .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 310
نعم ، کلّ من الجملتین موضوع لأصل عقلائی وهو عبارة عن أصالة تطابق جدّه مع استعماله ، والتصرّف إنّما هو فی هذا المقام ، حیث إنّه یتصرّف فی الأصل الجاری فی طرف العموم بسبب الأصل الجاری فی طرف المخصّص . ووجه التصرّف فی الأوّل دون الثانی کثرة تخلّف الجدّ عن الاستعمال فی الأوّل وشیوعه ، بحیث یرفع الید عن الأصل فیه بمؤونة خفیفة .
وبالجملة : تعارف تخصیص العمومات خصوصاً فی التقنینات وکثرة تخلّف الجدّ عن الاستعمال فیها صار موهناً للأصل فیها بحیث یرفع الید عنه بقرینة ضعیفة . وهذا هو السرّ فی تخصیص العمومات بأیّ مخصّص کان ، ولیس الوجه فی التخصیص هو الأظهریة والظاهریة حتّی یرد بأنّه یمکن أن یکون العامّ فی مقام أظهر .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 311