تبیـین موضوع البحث
وقبل البحث فی حکمه لابدّ من البحث فی ماهیته بحسب نظر العرف الذی هو المحکّم فی تحقیق الموضوعات الشرعیة والبحث عن الموارد المنضبطة المعلوم کونها مصداقاً له أو خارجاً عنه أو المشکوک کونها کذلک .
فنقول : ما ورد فی الأخبار العلاجیة موضوعاً للترجیح والتخیـیر مفهوم التعارض عرفاً ، ـ کما فی المقبولة ـ ومفهوم التخالف ، کما فی بعض الأخبار الاُخر وهما متقاربان ، فالرجوع إلی تلک الأخبار إنّما هو فی الخبرین الذین یصدق علیهما بحسب نظر العرف أنّهما متعارضان أو متخالفان ، فلو لم یصدق علیهما هذان العنوانان عرفاً لم یرجع إلیها وإن صدقا علیهما لغة أو عقلاً فالحاکم
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 301
والمحکوم وإن تعارضا حقیقة ولغة لکنّهما خارجان عن التعارض هاهنا قطعاً ، وکذلک سائر الموارد التی یوجد بین الدلیلین جمع عرفی مطبوع عند العقلاء وأبناء المحاورة ، وذلک فیما إذا کان التنافی بین الکلامین بحیث لا یرونه تنافیاً حقیقة ، بل تعارف بینهم التکلّم بهذا النحو من غیر استنکار ، ولا یرون المتکلّم به خارجاً عن الطریقة المتعارفة فی التکلّم والتفهیم والتفهّم ، بل لو فرض عدم تعارف التکلّم بهذا النحو فی العرف العامّ ولکنّه أحرز من الخارج کون بناء عرف خاصّ أو متکلّم خاصّ علی التکلّم بهذا النحو والجمع بینهما ، خرج الکلامان عن کونهما متعارضین ، فذکر العامّ أو المطلق وتخصیصه أو تقیـیده بدلیل مستقلّ منفصل وإن کان خارجاً عن طریقة أبناء المحاورة فی مکالماتهم الشخصیة الجزئیة إلاّ أنّه فی محیط التقنین قد جری بناءهم علی ذکر العمومات ، ثمّ بیان القیود والمستثنیات فی فصول مستقلّة .
وعلی هذا ، فما تراه فی الروایات المأثورة من النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام من التقیـیدات والتخصیصات المنفصلة لا تکون خارجة عن الطریقة المتعارفة فی التکلّم ، فإنّهم کانوا بصدد التقنین وبیان أحکام لعموم البشر وبناء محیط التقنین قد استقرّ علی هذا النحو من البیان .
بل یمکن أن یقال : باستقرار بناؤهم علیهم السلام علی التکلّم بطریق مختصّ بهم لمصالح کثیرة ، حیث استقرّ بناؤهم علی أن یذکر أحد منهم العامّ مثلاً ویذکر الآخر منهم بعد مضیّ سنین من مدّة العمل به المخصّص لذلک العامّ فتری العامّ مثلاً فی کلام الإمام علی علیه السلام والمخصّص له فی کلام الإمام الحسن العسکری علیه السلام ، فإذا علم بالمراجعة إلی الأخبار استقرار بنائهم فی مقام ذکر
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 302
القوانین والأحکام علی هذا النحو من التکلّم لم یکن لأحد العمل بالعموم إلاّ بعد الفحص ، ثمّ إذا عثر علی المخصّص فی کلام الإمام العسکری علیه السلام لا یراه مع العامّ متعارضین ، ولعلّ الوجه فی استقرار بنائهم علی هذا النحو من التکلّم أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم أو واحداً منهم علیهم السلام لو تعرّض لذکر الأحکام مفصّلة مبیّنة مبوّبة کما تراه فی الکتب الفقهیة والرسائل العملیة لاستغنی بذلک الناس من العلماء والمروّجین فانحلّ بذلک الحوزات العلمیة مع أنّ بقائها موجب لبقاء الدین وانحلالها موجب لاضمحلاله باُصوله وفروعه ، إذ العلماء هم المروّجون للشریعة والدین ، یتعبون أنفسهم فی إعلاء کلمتها ، کما أنّ عدم تعرّض القرآن لذکر الأحکام مفصّلة لیس إلاّ لبقاء احتیاج الناس إلی حماة الدین الذین لو لا هم لاندرست آثاره .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 303