الأمر التاسع فی اختصاص القاعدة بالشکّ الحادث بعد التجاوز
موضوع هذه القاعدة الشکّ الحادث بعد التجاوز ، وأمّا الحادث قبله المستمرّ إلی ما بعد التجاوز فخارج عن موضوعها ، وإثبات هذا المطلب لا یحتاج إلی بیان . وعلی هذا فلو شکّ فی الوضوء قبل الصلاة ، ثمّ غفل واستمرّ الغفلة إلی أن
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 294
صلّی ، ثمّ التفت لا مجال لجریان القاعدة ، سواء کانت الحالة السابقة هو الحدث أو الطهارة ، وأمّا استصحاب الحدث أو الطهارة فقد یقال بجریانهما ، ولکنّ التحقیق عدم جریانهما لا لعدم فعلیة الشکّ وتقدیریته ، کما قد یتوهّم ، بل لعدم کونه ملتفتاً إلیه ، ویعتبر فی الاستصحاب مضافاً إلی فعلیة الشکّ وعدم کونه تقدیریاً کونه ملتفتاً إلیه ، إذ الحجّیة الفعلیة بحکم العقل متوقّفة علی وقوع العمل مستنداً إلی الحجّة ، وذلک یتوقّف علی الالتفات إلیها موضوعاً وحکماً .
نعم ، علی القول بالإجزاء فی الاُصول العملیة وانقلاب التکلیف بالنسبة إلی الشاکّ نحو انقلاب ، لا یبعد القول بعدم الاحتیاج إلی الاستناد ، فتأمّل .
هذا کلّه إذا لم یحتمل وقوع الوضوء منه بعد الشکِّ، وأمّا إذا احتمل ذلک فقد ذکر المحقّق الخراسانی والنائینی جریان القاعدة بالنسبة إلیه .
ولکن یمکن الخدشة فی ذلک : بأنّ المورد من الشبهات المصداقیة لکلّ من القاعدة والاستصحاب ، إذ الشکّ موضوع للاستصحاب والحادث منه بعد العمل موضوع للقاعدة ، والشکّ فیما نحن فیه مردّد بین أن یکون عین ما سبق أو شکّاً حادثاً ، فالمرجع قاعدة الاشتغال ، هذا مع قطع النظر عن اعتبار الاستناد فی الاستصحاب وإلاّ فهو فی حدّ ذاته إشکال آخر فی الاستصحاب .
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأ نّه لم یرد فی آیة أو روایة اعتبار حدوث الشکّ بعد الفراغ . وغایة ما یستفاد من الأدلّة اختصاص القاعدة بما إذا احتمل الإخلال بالعمل سهواً وغفلةً ، دون ما إذا علم بعدم وقوع السهو والغفلة ولکن احتمل
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 295
المطابقة للواقع من باب الاتّفاق والتصادف مثلاً .
ففیما نحن فیه إذا تیقّن الحدث ، ثمّ شکّ فی الوضوء قبل الصلاة ، ثمّ صلّی ، ثمّ احتمل بعد الصلاة التوضّؤ بعد الشکّ فحیث إنّ وظیفته کان هو الوضوء شرعاً فترکه لا یکون إلاّ عن غفلة فتجری القاعدة لدفع احتمال الغفلة .
وأمّا إذا تیقّن الطهارة ، ثمّ شکّ فیها قبل الصلاة ، ثمّ صلّی ، ثمّ احتمل بعدها تجدید الوضوء بعد زمان الشکّ فلا تجری القاعدة ، إذ وقوع الوضوء حینئذٍ من باب التصادف ولا یحکم القاعدة بوقوع التصادف والاتّفاق ، وأمّا الاستصحاب فقد عرفت ما فیه أیضاً فحکم متیقّن الطهارة أشکل من غیره .
وممّا ذکرنا : عرفت مواقع الخلط فی کلمات بعض المحقّقین ، إذ یحکمون بأنّ موضوع القاعدة الشکّ الحادث ، ومع ذلک یحکمون بجریانها فی بعض الصور السابقة مع أ نّها من الشبهات المصداقیة لها .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 296