تنبیهات الاستصحاب

حقیقة الملکیة والفرق بینها وبین الحقّ

حقیقة الملکیة والفرق بینها وبین الحقّ

 

‏وقبل الورود فی بیان کیفیّة الید والاستیلاء فی المقام لابدّ من بیان حقیقة‏‎ ‎‏الملکیة وأنّها هل تقبل الشدّة والضعف ؟ کما قیل‏‏  ‏‏، وهل یمکن کون شیء واحد‏‎ ‎‏بوحدته ملکاً لاثنین بملکیة ناقصة أو تامّة أو لا یمکن ؟ اختار السیّد الیزدی ‏‏قدس سره‏‎ ‎‏جواز کون شیء واحد ملکاً لاثنین مستقلاًّ بملکیة تامّة قیاساً للملک بالحقِّ،‏‎ ‎‏کما إذا جعل لکلّ من البائع والمشتری أو لأحدهما ولأجنبیّ ملک حلّ العقد‏‎ ‎‏وفسخه وکولایة الأب والجدّ علی مال الصغیر‏‏  ‏‏، حیث إنّ لکلّ منهما التصرّف‏‎ ‎‏مستقلاًّ بدون مراجعة الآخر وأیّهما سبق لم یبق موضوع للآخر‏‏  ‏‏، بل قال ‏‏قدس سره‏‏  ‏‏: إنّ‏‎ ‎‏الزکاة والخمس والوقف علی العلماء والفقراء علی نحو بیان المصرف من هذا‏‎ ‎‏القبیل لصیرورة المال ملکاً للأشخاص المتکثرة الخارجیة مستقلاًّ لا للنوع‏‏  ‏‏، کما‏‎ ‎‏یتوهّم وکذا إذا وقف علی زید وعمرو بنحو بیان المصرف أو أوصی لهما‏‏  .‏‎[1]‎

‏أقول‏‏  ‏‏: وفیه أوّلاً‏‏  ‏‏: أنّ ما ذکره ـ من حقّ الخیار ونحوه ـ ففیه‏‏  ‏‏: لکلّ من الاثنین‏‎ ‎‏حقّ مستقلّ یختصّ به‏‏  ‏‏، لا أنّ هنا حقّاً واحداً ویکون کلّ منهما مالکاً لهذا الحقّ‏‎ ‎‏مستقلاًّ‏‏  .‏

‏نعم‏‏  ‏‏، متعلّق الحقّین أمر واحد کما فی ولایة الوکیلین والوصیـین المشروط‏‎ ‎‏لهما الانفراد والوکیل والموکّل ونحو ذلک‏‏  .‏

‏وثانیاً‏‏  ‏‏: أنّ الملکیة تباین الحقّ اعتباراً فإنّها لو کانت أمراً منتزعاً من جواز‏‎ ‎‏جمیع التصرّفات والسلطنة علی أیّ نحو منها‏‏  ‏‏، أمکن قیاسها بالحقوق‏‏  ‏‏، ولکنّ‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 218
‏الحقّ أنّها اعتبار خاصّ فی حدّ ذاتها یعتبرها العقلاء وهی عبارة عن اختصاص‏‎ ‎‏خاصّ وإضافة خاصّة بین المالک والمملوک‏‏  ‏‏، ومن آثارها سلطنة المالک وعدم‏‎ ‎‏سلطنة غیره‏‏  ‏‏، ولا یعتبر العقلاء الذین هم الأصل فی هذا الاعتبار جواز اجتماع‏‎ ‎‏المالکین علی مملوک واحد‏‏  ‏‏، بل التحقیق أنّ مثل حقّ الاختصاص فی الخمر‏‎ ‎‏وأمثاله وحقّ التحجیر ونحوهما أیضاً لا یمکن أن یکون لشخصین‏‏  .‏

‏وبالجملة‏‏  ‏‏: فالمرجع فی هذه الاُمور الاعتباریة إلی العرف والعقلاء المعتبرین‏‎ ‎‏لها ولیس فیها مجال للتحقیقات الفلسفیة‏‏  ‏‏؛ ولا ریب أنّ للملکیة عندهم اعتباراً‏‎ ‎‏خاصّاً لا یعتبر لاثنین مستقلاًّ فی مال واحد‏‏  .‏

‏وثالثاً‏‏  ‏‏: أنّ ما توهّمه من کون الزکاة والخمس ملکاً للأفراد فاسد‏‏  ‏‏. کیف ولو‏‎ ‎‏کان الأمر کما زعم لجاز تسلیم جمیعها دفعة‏‏  ‏‏، بل ولو تدریجاً إلی شخص واحد‏‎ ‎‏فإنّه ‏‏قدس سره‏‏ حکم بصیرورته بصرف التعلّق ملکاً لکلّ من أربابها مستقلاًّ فما یدفع‏‎ ‎‏إلیه لیس إلاّ مال نفسه الذی صار ملکاً له بنفس التعلّق‏‏  ‏‏، ولا یکون الدفع سبباً له‏‎ ‎‏مع أنّه خلاف ضرورة الفقه‏‏  ‏‏، فإنّه یستفاد من أخبار کثیرة أنّ تشریع الزکاة کان‏‎ ‎‏لسدّ خلّة الفقراء ورفع احتیاجاتهم‏‏  ‏‏، وأنّ الله علم بکفایة هذا المقدار لهم وإلاّ‏‎ ‎‏لجعل أکثر من ذلک‏‏  ‏‏، وأیضاً مقتضی ما ذکر جواز استفاد کلّ فقیر ما دفع إلی فقیر‏‎ ‎‏آخر‏‏  ‏‏، إذ الدفع لا دخالة له فی الملکیة علی الفرض‏‏  ‏‏، بل هی حاصلة لکلّ من‏‎ ‎‏الفقراء من أوّل الأمر علی جمیع المال فیجوز لکلّ منهم التصرّف فیه ما لم یتلفه‏‎ ‎‏الآخر‏‏  .‏

‏فالتحقیق‏‏  ‏‏: فی هذه الموارد کون الملک ملکاً للجهة لا للأشخاص‏‏  ‏‏، فجهة الفقر‏‎ ‎‏هی المالکة للزکاة‏‏  ‏‏، ولا مانع من صیرورة الجهة مالکة بعد اعتبار العرف والعقلاء‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 219
‏ذلک‏‏  ‏‏، فإنّ الملکیة من الاعتبارات العقلائیة التی یتبع فیها اعتبارهم‏‏  ‏‏، فربّما تعتبر‏‎ ‎‏لجماد کالمسجد والقبر والمیّت والقنطرة ونحو ذلک‏‏  ‏‏، وربّما تعتبر لأمر اعتباری‏‎ ‎‏آخر کالدولة بأقسامها وأنواعها حتّی أنّ فی الدول الاستبدادیة أیضاً یکون‏‎ ‎‏الملک لمقام السلطنة لا لشخص السلطان‏‏  .‏

‏غایة الأمر‏‏  ‏‏: أنّ شخص السلطان ولیّ أمر هذا المقام‏‏  ‏‏. ألاتری : أنّه ینتقل‏‎ ‎‏بموته إلی ولیّ عهده فی السلطنة لا إلی ورثته‏‏  ‏‏، إذ لا ینتقل إلیهم سوی أمواله‏‎ ‎‏القائمة بشخصه لا بمقام سلطنته‏‏  ‏‏، ومن هذا القبیل ظاهراً الأنفال وسهم الإمام‏‎ ‎‏فإنّهما لمقام الإمامة ینتقلان إلی الإمام بعد الإمام لا لشخص الإمام‏‏  ‏‏. غایة الأمر‏‏  ‏‏:‏‎ ‎‏ أنّ الشخص ولیّ أمر هذا المقام والمتولّی له‏‏  ‏‏، بل لسهم السادات أیضاً یکون‏‎ ‎‏تحت ولایة الإمام علی الأظهر فإنّه لجهة إدارة المنسوبین بمقام الإمامة التی هی‏‎ ‎‏السلطنة الإلهیة‏‏  ‏‏، وولیّ هذا الأمر والجاعل له فی مصرفه هو الإمام ‏‏علیه السلام‏‏  ‏‏، والظاهر‏‎ ‎‏أنّ الوصیّة لزید وعمرو بنحو المصرف أیضاً من هذا القبیل‏‏  ‏‏، إذ الوصیّة إن کانت‏‎ ‎‏بالإعطاء لهما فهی عهدیة وما لم یعط المال یکون ملکاً للمیّت‏‏  ‏‏، وإن کانت‏‎ ‎‏بالملکیة فلا یمکن حصولها للفرد المردّد‏‏  ‏‏، فلا محالة یکون الموصی له فی‏‎ ‎‏صورة اعتبارهما بنحو بیان المصرف لا الإشاعة‏‏  ‏‏، عبارة عن جهة جامعة بینهما‏‎ ‎‏تنطبق علی کلّ منهما کالإنسان الذی لا یکون غیرهما ونحو ذلک‏‏  .‏

 

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 220

  • - العروة الوثقی 6 : 589 .