شمول الأدلّة لصورة التعارض وعدمه
وأمّا المبحث الأوّل : أعنی بیان شمول الأدلّة لصورة التعارض وعدمه فقد ذکرناه تفصیلاً فی أوّل الاشتغال ونعیده هنا بنحو الإجمال .
فنقول : غایة ما ذکر لعدم الشمول أمران :
الأوّل : ما ذکره الشیخ قدس سره وتبعه فیه غیره من أنّ شمول الأدلّة لأطراف العلم یوجب مناقضة الصدر والذیل ، حیث دلّ الصدر علی حرمة النقض بالشکّ والذیل علی وجوبه بالیقین ، والیقین أعمّ من التفصیلی والإجمالی .
ویرد علیه : أوّلاً : أنّ قوله فی الذیل : «ولکن تنقضه بیقین آخر» لیس فیه إعمال للتعبّد وإلاّ لزم جعل الحجّیة للیقین مع أنّها من ذاتیاته ، فذکره إنّما هو لتأکید الصدر وبمنزلة الغایة له ، فحاصل المفاد أنّه یحرم نقض الیقین بشیء لم یصل إلی حدّ الیقین بالخلاف شکّاً کان أو ظنّاً أو غیرهما ، وعلی هذا فلو فرض شمول الصدر لطرفی العلم الإجمالی فلا یزاحمه الذیل .
وثانیاً : أنّ المراد بالیقین فی الصدر علی مذاقهم خصوص التفصیلی ، وعلی هذا فمقتضی السیاق کون المراد به فی الذیل أیضاً ذلک .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 188
وثالثاً : أنّ التحقیق کون المراد بالیقین فی المقامین هو الأعمّ من التفصیلی والإجمالی ، ولکنّ الظاهر بقرینة السیاق تعلّق الثانی بعین ما تعلّق به الأوّل ؛ فلو علمنا إجمالاً بحرمة شیء وجب ترتیب آثار حرمته عند الشکّ فی زواله ما لم یعلم بارتفاع ذلک ، ولو علم تفصیلاً بطهارة شیء وجب ترتیب آثارها ما لم یعلم بنجاسة هذا الشیء وفیما نحن فیه لیس کذلک ، فافهم . فإنّ کلاًّ من الطرفین معلوم سابقاً والیقین الإجمالی فی اللاحق لم یتعلّق بهذا بخصوصه ولا بذاک ، بل تعلّق بما ینطبق علی واحد منهما .
الثانی : ما أصرّ علیه المحقّق النائینی قدس سره من الفرق بین الاُصول المحرزة وغیرها وأنّ فی المحرزة منها لا یعقل وقوع التعبّد فی الطرفین مع العلم بالخلاف فی أحدهما للزوم التناقض ، وقد عرفت سابقاً جوابه بنحو الإجمال . والتحقیق أن یقال : بعدم شمول الأدلّة لأطراف العلم لکن لا لما ذکروه ، بل للانصراف ، نظیر انصراف أدلّة النهی عن العمل بالظنّ عن العمل بقول الثقة ، فإنّ العرف بعد ما ارتکز فی أذهانهم ورسخ فیها العمل بأخبار الثقة یحتاج ردعهم عن ذلک إلی مؤونة کثیرة ولا یرتدعون عنه بصرف استماع الآیات الناهیة ، ففیما نحن فیه أیضاً بعد ما ارتکز حجّیة العلم مطلقاً ووجوب العمل علی طبقه یحتاج الترخیص فی مخالفة بعض أطرافه إلی مؤونة زائدة سوی عمومات الترخیص .
ولا یتبادر إلی ذهن أحد من العرف شمول العمومات لمثل أطراف العلم الإجمالی .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 189