نقلٌ ونقدٌ
وبما ذکرنا : یظهر وجود تهافت ما فی کلام المحقّق النائینی قدس سره فإنّه حکم أوّلاً فی المقام بعدم تمشّی الترجیح فی باب الاستصحاب الذی هو من الاُصول المحرزة عنده ، ثمّ حکم بُعید ذلک بأنّ جریان الاستصحاب فی طرفی العلم الإجمالی یوجب التناقض .
بتقریب : أنّ الاستصحاب من الاُصول المحرزة فمفاد «لا تنقض» حرمة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 181
النقض ووجوب البناء علی أنّ مؤدّاه هو الواقع والحکم بهذا المعنی فی الطرفین یناقض العلم بتحقّق الانتقاض فی أحدهما .
ویرد علیـه ، أوّلاً : أنّ الأصل المحرز بالمعنی الذی ذکره بأن یکون مفاد الدلیل وجوب البناء علی کون المؤدّی هو الواقع ممّا لا أساس له ، إذ لیس مفاد «لا تنقض» مثلاً إلاّ حرمة النقض عملاً فهو یتصدّی لجعل الوظیفة العملیة لا غیر ، وما ذکره من وجوب البناء علی أنّه الواقع ممّا لا یستشمّ من واحد من الأدلّة فهو مجرّد فرض لا دلیل علیه فی مقام الإثبات .
وثانیاً : أنّ کون الأصل محرزاً إن کان موجباً لتجافیه عن مرتبة الأصلیة وترقّیه إلی مرتبة الحاکی عن الواقع ، فکلامه الثانی صحیح ، حیث حکم بأنّ جریان الأصل المحرز فی الطرفین یوجب التناقض للمعلوم إجمالاً ، وأمّا کلامه الأوّل ففاسد ، إذ مقتضی ذلک ترجّح الاستصحاب أیضاً بالأمارة الغیر المعتبرة وصیرورتها مرجّحة له ، فلا وجه لمنعه ذلک وإن لم یوجب ذلک تجافیه عن مرتبة الأصلیة التی هی مرتبة سترة الواقع ، وقطع النظر عنه ، فکلامه الأوّل صحیح دون الثانی ، إذ الأصل لا یتعرّض إلاّ لبیان الوظیفة العملیة فی رتبة الشکّ فلا یناقضه ما یتعرّض للواقع .
ولا یخفی : أنّ المتعیّن هو الوجه الثانی فلا مجال لتوهّم المناقضة بین الحاکی عن الواقع وبین مؤدّی الأصل العملی وإن کان محرزاً . وعلی هذا ، فإذا سلّمنا شمول الأدلّة لصورة التعارض أیضاً لزم الأخذ بالاستصحابین فیما إذا لم یلزم مخالفة عملیة ولم یقم إجماع أیضاً علی عدم جواز الجمع بینهما ، کما فی مسألة الماء النجس المتمّم کرّاً بطاهر ، حیث قام الإجماع علی أنّ الماء
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 182
الواحد محکوم بحکم واحد ولو فی الظاهر .
ثمّ إنّه إذا تمشّی الترجیح فی باب الاُصول فیدور الأمر بین التساقط والتخیـیر ، وغایة ما یوجّـه به الأوّل أنّ اندراج کلّ منهما معیّناً فی قولـه : «لا تنقض» یستلزم الترخیص فی المعصیة ، کما فی القسم الأوّل أو مخالفة الإجماع کما فی القسم الثانی واندراج أحدهما معیّناً دون الآخر ترجیح بلا مرجّح وأحدهما الغیر المعیّن لیس إلاّ مفهوماً انتزاعیاً ولیس من أفراد العامِّ، ولا دلیل بالخصوص یدلّ علی ثبوت الحکم له حتّی یستلزم التخیـیر بینهما فیتساقط الأصلان ویخرجان عن تحت العامِّ.
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 183