الأمر الأوّل : فی دفع الإشکال المعروف علی صحیحة زرارة
یظهر بما ذکرنا من وجه حکومة الأصل السببی علی المسبّبی الجواب عن الإشکال المعروف فی الصحیحة الاُولی لزرارة .
وحاصل الإشکال : أنّ الشکّ فی الوضوء وعدمه ناشٍ من الشکّ فی الناقض ؛
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 176
أعنی النوم ، فمقتضی تقدّم الأصل السببی هو جریان استصحاب عدم النوم لا نفس الوضوء مع أنّ ظاهر الصحیحة خلافه حیث قال علیه السلام : «فإنّه علی یقین من وضوئه ولا ینقض . . .» إلی آخره .
وکنّا نجیب عن الإشکال سابقاً بأنّه لیس فی الروایة إجراء الاستصحاب فی نفس الوضوء فإنّه علیه السلام لیس بصدد الاستدلال علی الحکم حتّی یقال : بأنّ مقتضی القاعدة إجراء الأصل السببی ، فإنّ المقام مقام الاستفتاء والإفتاء لا مقام الاستدلال . وجواب المفتی یجب أن یکون علی طبق نتیجة الاستدلال ، ألا تری أنّه لو سُئل نفس هذه المسألة من فقیه من فقهاء عصرنا أیضاً کان یجیب بأنّ «من کان علی یقین من وضوئه یجب علیه البناء علیه» . غایة الأمر : أنّه فی مقام الاستدلال یستدلّ علیه باستصحاب عدم النوم . والشاهد علی ذلک عنوان المسألة فی الکتب الفقهیة أیضاً علی هذا النحو مع أنّ کثیراً منهم یلتفتون إلی تقدّم الأصل السببی .
وبالجملة : فالإمام علیه السلام فی مقام الإفتاء والجواب عن المسألة بذکر نتیجة الاستدلال ، وأمّا قوله : «لا تنقض» فقد صدر منه تفضّلاً ، فلا دلالة فیه علی کون المجری للاستصحاب هو الوضوء أو عدم النوم .
هذا ما ذکرناه سابقاً ، وأمّا الآن فنقول : إنّک قد عرفت آنفاً أنّ صرف ترتّب الشکّین لا یکفی فی التقدّم ما لم یکن ترتّب شرعی بین المشکوکین ، وفیما نحن فیه یکون الترتّب الشرعی فی طرف وجود الناقض لا عدمه ، إذ الناقضیة من
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 177
الأحکام الشرعیة للناقض ومعناها عدم المنقوض بوجود الناقض ، وأمّا وجود المنقوض بعدم الناقض فهو عقلی لا شرعی ؛ بمعنی : أنّ العقل یحکم بوجود الشیء بعد وجود مقتضیه وشرائطه وعدم ما ینقضه ، ففیما نحن فیه قد دلّ الدلیل الشرعی بناقضیّة النوم ، ومعناه عدم الوضوء بوجوده ، وأمّا وجود الوضوء بعدمه فلیس داخلاً تحت کبری شرعیة مجعولة ، فافهم .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 178