المقصد الثانی الواجبات فی الصلاة

منع دلالة بعض الآیات علی مبطلیّة الریاء

منع دلالة بعض الآیات علی مبطلیّة الریاء

‏ ‏

ثمّ اعلم:‏ أنّـه من الآیات الـدالّـة علیٰ مبغوضیّـة الریاء، وموجبیّتـه‏‎ ‎‏البطلان، قولُـه تعالیٰ: ‏‏«‏یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَتُبْطِلُواْ صَدَقَاتِکُمْ بالْمَنِّ والأَذَیٰ‎ ‎کَالَّذِی یُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ‎[1]‎‏»‏‏ فإنّها بظاهرها تدلّ علیٰ بطلان الـعمل‏‎ ‎‏الـریائیّ.‏

وفیه:‏ أنّها تدلّ علیٰ بطلان الـصدقـة بالمنّ والأذیٰ، والـمقصود من‏‎ ‎‏بطلانها سقوط أجرها، دون فسادها حتّیٰ تلزم إعادة الـصدقـة الـواجبـة؛ فإنّ‏‎ ‎‏الـمنّ بعد الـعمل لایورث الـبطلان، مع أنّ الآیـة ناظرة إلـیٰ إبطال الـصدقـة‏‎ ‎‏بهما، فیکون الـمفروض فیها أنّـه قد أتیٰ بها، ثمّ یرید الـمنّـة والأذیٰ، فنهی‏‎ ‎‏الـناس عنـه.‏

وتوهّم:‏ أنّها فی مقام بیان اشتراط الـصدقـة بعدم الـمنّـة حین الإعطاء،‏‎ ‎‏فاسد جدّاً؛ لظهور قولـه: ‏‏«‏لاَتُبْطِلُواْ‏»‏‏ فی أنّ الـصدقـة الـمفروضـة الـوجود‏‎ ‎‏صحیحـة جامعةً للـشرائط، تکون منهیّاً إبطالها کما لایخفیٰ.‏

‏وعلیٰ هذا، لا دلالـة لها علیٰ فساد الـعمل الـمأتیّ بـه للّٰـه تعالیٰ ریاءً،‏‎ ‎‏بل تدلّ علیٰ هبوط الـعمل الـریائیّ، الـذی لایرید جدّاً فیـه شؤونَـه تعالیٰ، بل‏‎ ‎‏الـمقصود إراءة الـناس لا الـغیر.‏

‏وأمّا لو أراده تعالیٰ، ویری الـناس عملـه الـمأتیّ بـه للّٰـه تعالیٰ،‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: الواجبات فی الصلاةصفحه 178
‏وترشّح الإرادة الـجدّیَّـة للـتقرّب بـه منـه تعالیٰ، فهو صحیح، وربّما کان‏‎ ‎‏الـریاء فی هذه الـمواقف - لـمصالـح مترتّبـة علیـه - حسناً. إلاّ أنّ مقتضیٰ‏‎ ‎‏مطلقات الـمسألـة، حرمتـه فی هذه الـفروض أیضاً.‏

‏وممّا یشهد علیٰ ذلک الآیـة الـسابقـة علیها؛ وهی قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏الَّذِینَ‎ ‎یُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فی سَبِیل الله ِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أَذَیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ‎ ‎عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ‏»‏‎[2]‎‏.‏

‏وذیلُ تلک الآیـة: ‏‏«‏ولا یُؤْمِنُ بِالله ِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ‎ ‎صَفْوَانٍ...‏»‏‎[3]‎‏ إلـیٰ آخرها.‏

‏فإنّ الآیات فی الـمقام، لا نظارة لها إلـی الـمسألـة الـفرعیّـة، بل هی‏‎ ‎‏ناظرة إلـیٰ هبوط الأعمال الـمتعقّبـة بالمنّ والأذیٰ؛ وأنّ الإنفاق الـریائیّ - لا‏‎ ‎‏الإنفاق فی سبیل اللّٰـه ریاءً - یکون مثالـه ‏‏«‏کَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَیْهِ تُرابٌ فَأَصَابَهُ‎ ‎وَابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْداً لاَ یَقْدِرُونَ عَلَیٰ شَیْءٍ مِمَّا کَسَبُوا وَالله ُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ‎ ‎الکَافِرِینَ‏»‏‎[4]‎‏.‏

‏بل ربّما یمکن دعویٰ: أنّ الـمقصود إنفاق الـکفّار، لا الـمؤمن الـمرائی‏‎ ‎‏کما لایخفیٰ.‏

اللهمّ إلاّ أن یقال:‏ إنّ الـریاء متقوّم بأن یکون صورة الـعمل أوجدها للّٰـه‏‎ ‎‏تعالیٰ؛ بمعنیٰ أنّـه لا یکون الـعمل الـمحرّم - الـمعلوم عند الـکلّ حرمتـه -‏‎ ‎‏قابلاً للـریاء فیـه، فهو یتقوّم بالعمل الـذی یمکن أن یؤتیٰ بـه للّٰـه تعالیٰ،‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الفقه: الواجبات فی الصلاةصفحه 179
‏وذلک بلا فرق بین حصول الإرادة الـجدّیّـة الـمستلزمـة لصحّـة الـعمل‏‎ ‎‏الـریائیّ، وبین ما لا یقصد بـه إلاّ رئاء الـناس، فافهم وتأمّل جیّداً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الفقه: الواجبات فی الصلاةصفحه 180

  • )) البقرة (2): 264.
  • )) البقرة (2): 262.
  • )) البقرة (2): 264.
  • )) البقرة (2): 264.