المقام الثالث فی وجه تقدّم أدلّة الاستصحاب علی سائر الاُصول
وبهذا البیان أیضاً یظهر وجه تقدیم الاستصحاب علی سائر الاُصول .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 159
غایة الأمر : أنّ أدلّة الاستصحاب ناظرة إلی أدلّة سائر الاُصول فبالحکومة علیها ترد علیها ، وقد عرفت سابقاً أنّ الورود فی الأدلّة اللفظیة من أقسام الحکومة .
وإن شئت توضیح ذلک ، فنقول : یظهر من مطاوی ما ذکرناه أنّ التعارض عبارة عن تصادم الدلیلین فی مقام الإثبات ولازمه تقدیم الأظهر إن کان ، وإلاّ فالتساقط ، وأمّا الحکومة فهو عبارة عن نظر أحد الدلیلین وتعرّضه لجهة من الآخر لا یتعرّض له هو بنفسه ، ولازم ذلک تقدیم الحاکم مطلقاً وإن کان أضعف الظهورات ، ولا یتوقّف أحد فی تقدیم الحاکم علی المحکوم ولا یلحظ الأظهریة أصلاً .
إذا عرفت هذا ، فنقول : لو قال المولی : «إذا شککت فی وجوب شیء مثلاً فاعمل علی طبق الحالة السابقة» ، وقال فی مقام آخر : «إذا شککت فی الوجوب فأنت فی سعة» ، کانت القاعدتان متعارضتین بنظر العرف فیما إذا کان الوجوب ثابتاً فی السابق ، ثمّ شکّ فیه لأنّ الموضوع فی کلتیهما هو الشکِّ، وقد حکم فی إحداهما بالسعة وفی الآخر بترتیب آثار الوجوب فیتعارضان .
نعم ، لو فرض تقدیم أحدهما صار هو حجّة وزال به موضوع الآخر وهو الشکِّ، ولکن لا وجه لتقدیم أحدهما حتّی یرتفع به موضوع الآخر ، وأمّا إذا ورد القاعدة الاُولی بهذا التعبیر : «لا تنقض الیقین بالشکّ» فهو أیضاً وإن کان حکماً مجعولاً للشاکِّ، والشکّ موضوع له ، ولکن لسانه إطالة عمر الیقین السابق والحکم بکون المخاطب متیقّناً تعبّداً ، فهذا اللسان ناظر إلی موضوع القاعدة الثانیة وهو الشکِّ، ویرفع موضوعها حقیقة بالنظر إلیه بناءً علی کون المراد
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 160
بالشکّ عدم الحجّة فی قبال الیقین الذی هو عبارة عن مطلق الحجّة بإلغاء الخصوصیة کما عرفت ، فقوله : «لا تنقض الیقین» حیث ورد بهذا اللسان حاکم وناظر بالنسبة إلی أدلّة سائر الاُصول ویکون نتیجة حکومته الورود ، ولو لا هذا اللسان لما تقدّم أحدهما علی الآخر .
وبالجملة : فتقدیم أحد الدلیلین علی الآخر یتوقّف علی کونه أظهر أو متعرّضاً لما لا یتعرّض له الآخر وهو الحکومة وإن صارت نتیجتها هی الورود ، فما لم یکن أحدهما أظهر أو متعرّضاً للآخر بما لا یتعرّض له لا یکون وجه لتقدیمه ، وإن فرض دوران الأمر بین التخصیص والتخصّص أیضاً أو لزم التخصیص بلا وجه أو بوجه دائر فإنّ هذه المداقّات العقلیة لا توجب تقدّم أحد الدلیلین بنظر العرف ، فینحصر وجه التقدّم فی الأظهریة والظاهریة أو الحکومة .
وبما ذکرنا : یظهر فساد کلام المحقّق الخراسانی قدس سره وصحّة کلام الشیخ قدس سره فی باب تقدیم الأمارات علی الاُصول والاستصحاب علی غیره ، حیث صرّح بأنّه لو لا النظر والحکومة لما کان وجه لتقدیم أحدهما علی الآخر .
غایة الأمر : أنّ نتیجة الحکومة علی ما حقّقناه هو الورود ، وهذا کلام سارٍ فی تقدیم الأمارات علی الاُصول وتقدیم الاستصحاب علی غیره ، فتدبّر .
أمّا فی الاستصحاب فلما عرفت آنفاً من تقریب حکومة دلیله ، وأمّا فی
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 161
الأمارات فلأنّ حجّیتها إمّا بالأدلّة الشرعیة أو بالسیرة ، فعلی الثانی یتوقّف حکومتها علی صوغه فی قالب اللفظ کما عرفت .
وإن شئت قلت : حینئذٍ بثبوت الورود فقط دون الحکومة ، وقد مرّ بیان ذلک فی التذییل الرابع ، وأمّا علی الأوّل فورودها یتوقّف علی حکومتها کما ذکرها الشیخ وقرّبها .
فإن قلت : ما ذکره الشیخ فی تقریبها هو أنّ معنی قوله : صدق العادل : ألغ احتمال الخلاف . فیکون ناظراً إلی إلغاء الشکّ الذی هو موضوع الاُصول العملیة ، وما ذکره قدس سره إنّما یتمّ لو کان لنا دلیل وارد بهذه العبارة ولیس لنا فی الأدلّة کلام یکون مفاده : ألغ احتمال الخلاف .
نعم ، لازم حجّیتها وجوب إلغاء الاحتمال المخالف ولکن أین هذا من الحکومة التی یشترط فیها اللسان .
قلت : لا یشترط فی الحکومة تصرّف الحاکم بمدلوله المطابقی ، بل المعتبر فیها تعرّض الحاکم لما یتعرّض له المحکوم ، سواء کان بالدلالة المطابقیة أو باللزوم البیّن إذا کان اللازم أمراً ظاهر اللزوم عند العرف ، وفیما نحن فیه کذلک فإنّ العرف یفهم من قوله : «یجب علیک العمل بقول العادل» وجوب طرح ما یخالفه وإلغاء الشکِّ، وفرض الإنسان نفسه متیقّناً ، فافهم .
نعم ، الإنصاف أنّ الدلیل علی حجّیة الخبر لیس سوی السیرة القطعیة . وممّا یشهد لذلک نفس آیة النبأ فإنّها لیست بصدد جعل الحجّیة لخبر العادل وبعث الناس نحو العمل به ، بل هی بصدد ردعهم عن قسم من الخبر وهو خبر الفاسق ،
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 162
فیعلم من ذلک أنّ ارتکازهم کان علی العمل بالخبر مطلقاً فتصدّت الآیة لردعهم عن قسم منه ، فتدبّر جیّداً .
وما ذکرناه فی المقام وحرّرناه وإن صار مغشوشاً ولکن علیک بجمعه وترتیبه .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 163