تنبیهات الاستصحاب

الفرق بین التخصیص والتخصّص والحکومة والورود

الفرق بین التخصیص والتخصّص والحکومة والورود

‏ ‏

‏فنقول‏‏  ‏‏: أمّا «التخصّص»‏‏  ‏‏، فهو عبارة عن خروج شیء عن موضوع الحکم‏‎ ‎‏بذاته‏‏  ‏‏، سواء کان هذا الشیء مورداً للحکم الشرعی أم لا‏‏  ‏‏، فزید الجاهل خارج‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 147
‏عن العلماء فی قوله‏‏  ‏‏: «أکرم العلماء» تخصّصاً سواء کان زید محکوماً بعدم‏‎ ‎‏الإکرام أم لا‏‏  .‏

‏وأمّا «الورود»‏‏  ‏‏، فهو عبارة عن خروج مورد عن موضوع الحکم بلحاظ‏‎ ‎‏محکومیة هذا المورد بحکم آخر‏‏  ‏‏، بحیث لو لا محکومیته بهذا الحکم لم یکن‏‎ ‎‏خارجاً عنه‏‏  ‏‏، فلو فرض کون المراد من قوله‏‏  ‏‏: ‏«لا تنقض»‏ حرمة نقض الحجّة‏‎ ‎‏باللاحجّة یکون الأمارة القائمة فی مورد واردة علیه لکون النقض بها نقضاً‏‎ ‎‏بالحجّة‏‏  ‏‏. ولکن هذا المورد مشمول لدلیل الاستصحاب لو لا دلیل حجّیة هذه‏‎ ‎‏الأمارة‏‏  ‏‏. هذا علی مذاق القوم‏‏  ‏‏، وإلاّ فسیأتی أنّ «الورود» قسم من أقسام‏‎ ‎‏«الحکومة» ولیس قسیماً لها‏‏  .‏

بقی الکلام‏  :‏‏ فی بیان الفرق بین «الحکومة» وبین غیرها من أنحاء الجمع‏‎ ‎‏العرفی من «التخصیص» و«التقیـید»‏‏  ‏‏. وتحقیق ذلک یحتاج إلی بسط الکلام‏‏  .‏

‏فنقول‏‏  ‏‏: إذا قال المولی‏‏  ‏‏: «أکرم العلماء» مثلاً فما یتعرّضه هذه القضیّة هو‏‎ ‎‏ثبوت وجوب الإکرام بالنسبة إلی جمیع العلماء بما هم علماء‏‏  ‏‏، من جهة ظهور‏‎ ‎‏الموضوع فی العموم والإطلاق‏‏  .‏

‏وبعبارة اُخری‏‏  ‏‏: ما یتعرّضه هذه القضیّة هو تحقّق النسبة الثبوتیة بین وجوب‏‎ ‎‏الإکرام وبین جمیع أفراد العالم‏‏  ‏‏، وهنا جهات متشتّتة مربوطة بهذه القضیّة‏‎ ‎‏لا تتعرّض هی لبیانها‏‏  ‏‏، بل هی من ملزوماتها أو لوازمها بنظر العقل أو العقلاء‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏فإنّ من سمع هذه القضیّة یحکم بحسب الاُصول العقلائیة بکون المتکلّم بها‏‎ ‎‏شاعراً بمفادها مریداً لها بالإرادة الاستعمالیة‏‏  ‏‏، وکون الجدّ أیضاً مطابقاً‏‎ ‎‏للاستعمال‏‏  ‏‏، وأنّ المولی جعل الحکم المستفاد منها‏‏  ‏‏، وکذلک یحکم بوجوب‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 148
‏الإعادة‏‏  ‏‏، إذا أتی بالمأمور به لا علی وجهه‏‏  ‏‏، ولکن لیس هذه الاُمور ممّا یتعرّضها ‏‎ ‎‏فس هذه القضیّة‏‏  ‏‏، وکذلک لا تتعرّض هی لموضوعها ولا لمحمولها‏‏  ‏‏، وإنّما‏‎ ‎‏تتعرّض للنسبة بینهما فقط‏‏  ‏‏، فإنّ قوله‏‏  ‏‏: «أکرم العلماء» لا تتعرّض لما هو المراد‏‎ ‎‏بالعلماء أو ما هو المراد بالإکرام أو ما هو المراد بالوجوب أو أنّ مفاد هذه‏‎ ‎‏القضیّة ملتفت إلیه للمولی أو مراد له استعمالاً وجدّاً أو أنّه جعل الوجوب أو أنّه‏‎ ‎‏یجب الإعادة علی فرض عدم إتیانه لوجهه‏‏  ‏‏، وإنّما یستفاد هذه الاُمور من العرف‏‎ ‎‏أو الاُصول العقلائیة أو العقل‏‏  .‏

‏فإن قلت‏‏  ‏‏: کیف لا یتعرّض هذه القضیّة لجعل الوجوب ؟‏

‏قلت‏‏  ‏‏: هی جعل بالحمل الشائع ولیس المحکوم فیها ثبوت الجعل بالمعنی‏‎ ‎‏الاسمی المفهومی‏‏  .‏

إذا عرفت هذا‏  ‏، فنقول‏  :‏‏ لو ورد قضیّة اُخری مربوطة بجهة من جهات هذه‏‎ ‎‏القضیّة فإن تعرّضت القضیّة الثانیة لما تتعرّض له الاُولی بنفی ما أثبتـته أو إثبات‏‎ ‎‏ما نفته أو تقیـید ما أطلقته‏‏  ‏‏، بحیث تصادمت القضیّـتان فی مقام الظهور کان‏‎ ‎‏التصادم بینهما عبارة عن التعارض وإن تعرّضت الثانیة لجهة من جهات القضیّة‏‎ ‎‏الاُولی التی لا تتعرّض لها هی بنفسها کان التصادم بنحو الحکومة‏‏  ‏‏، ففی المثال‏‎ ‎‏السابق لو صدر عن المولی فی المرّة الثانیة «لا تکرم العلماء» أو «لا تکرم‏‎ ‎‏النحویین» أو «أکرم أو لا تکرم العلماء النحویین» کانت القضیّة الثانیة معارضة‏‎ ‎‏للاُولی‏‏  ‏‏، لنفیها ما أثبتـته کلاًّ أو بعضاً أو لتقیـیدها ما أطلقته‏‏  ‏‏. وبالتالی هی‏‎ ‎‏مزاحمة لنسبة الاُولی بعد اشتراکهما فی جمیع المراحل من الاُصول العقلائیة‏‎ ‎‏والملزومات الثابتة قبل مقام انعقاد الظهور اللفظی‏‏  ‏‏، وحیث إنّ التصادم بینهما فی‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 149
‏مقام الإثبات وفی مقام الظهور اللفظی بما هو لفظ فیجمع بینهما بالأظهریة‏‎ ‎‏والظاهریة لو کان أحدهما أظهر کما فی العامّ والخاصّ والمطلق والمقیّد وإلاّ‏‎ ‎‏فیتساقطان‏‏  ‏‏، کما فی المتباینین‏‏  .‏

‏وأمّا إذا صدر منه قضیّة اُخری متعرّضة لجهة من جهات الاُولی لا تتعرّض‏‎ ‎‏لها هی بنفسها فتقدّم الثانیة من باب الحکومة من دون لحاظ الأظهریة‏‎ ‎‏والظاهریة لعدم کون التصادم فی مرحلة الإثبات والظهور‏‏  ‏‏، فإنّ الظهور اللفظی‏‎ ‎‏بما هو لفظ موضوع إنّما ینعقد بالنسبة إلی ما یتعرّض له القضیّة‏‏  .‏

‏والمفروض أنّ ما تتعرّض له الثانیة فی المقام لا تتعرّض له الاُولی فلا تصادم‏‎ ‎‏بینهما من حیث الظهور اللفظی‏‏  ‏‏. مثال ذلک‏‏  ‏‏: ما إذا قال المولی بعد قوله‏‏  ‏‏: «أکرم‏‎ ‎‏العلماء»‏‏  ‏‏، «ما أردت أکرام العلماء» أو «إکرام النحویین» مثلاً أو قال‏‏  ‏‏: «صدر هذا‏‎ ‎‏الحکم عنّی من غیر التفات أو تقیّةً»‏‏  ‏‏، أو قال‏‏  ‏‏: «ما جعلت وجوب الإکرام‏‎ ‎‏للنحویّین أو للفسّاق» أو قال‏‏  ‏‏: «النحوی لیس بعالم» أو «الرجل المتّقی عالم» أو‏‎ ‎‏«السلام إکرام» أو «العمل الکذائی لیس بإکرام»‏‏  ‏‏، أو قال‏‏  ‏‏: «لا تعاد العمل إلاّ من‏‎ ‎‏خمس» مثلاً فهذه القضایا کلّها تقدّم من باب الحکومة‏‏  ‏‏، ولا یتأمّل العرف فی‏‎ ‎‏تقدیمها وإن کان ظهورها فی غایة الخفاء‏‏  ‏‏، وظهور القضیّة الاُولی فی غایة‏‎ ‎‏الجلاء فإنّ القضیّة الاُولی لم تتعرّض بظهورها اللفظی لکون المولی مریداً‏‎ ‎‏لمضمونها أو ملتفتاً إلیها أو لبیان أنّ المراد بالعلماء أو الإکرام ماذا أو لغیره ممّا‏‎ ‎‏ذکر‏‏  ‏‏، وإنّما استفید الالتفات والإرادة والجدّ من الأصل العقلائی ومن ظهور‏‎ ‎‏التکلّم بما هو فعل من الأفعال الصادرة عن الفاعل المختار لا من ظهور اللفظ‏‎ ‎‏بما هو لفظ موضوع‏‏  ‏‏، وکذلک کون «النحوی عالماً» أو «الرجل المتّقی غیر عالم»‏‎ ‎‏أو «عدم کون السلام إکراماً» وغیر ذلک لم یستفد من ظهور اللفظ‏‏  ‏‏، وإنّما الذی‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 150
‏استفید من اللفظ ثبوت الوجوب للعلماء کما هو مفاد القضیّة بما هی قضیّة‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏وکون الموضوع جمیع أفراد العلماء بما هم علماء لا بعضهم ولا العلماء العدول‏‎ ‎‏فإنّ ذلک مقتضی أصالة العموم وأصالة الإطلاق الراجعتین إلی ظهور اللفظ بما‏‎ ‎‏هو لفظ موضوع‏‏  ‏‏، فافهم وتأمّل جیّداً‏‏  .‏

 

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 151