المناط فی تشخیص الموضوع فی الاستصحاب
ثمّ إنّ الموضوع فی الاستصحاب ، هل یؤخذ من العقل أو الدلیل المثبت للحکم أو العرف ؟
الأقوی هو الأخیر ، ومعنی «أخذه من العقل» أخذه من العقل بعد إعمال دقّته ، کما أنّ معنی «أخذه من الدلیل» أخذه من الدلیل بعد تنقیح موضوعه بإلغاء الخصوصیة ونحوه فکلّ ما حکم العرف بکونه موضوعاً لهذا الدلیل بحیث لا یحتمل ثبوت هذا الحکم فی غیر مورد تحقّق هذا الشیء فهو الموضوع للدلیل ، ولو فرض اختیار أخذ موضوع الاستصحاب من الدلیل ، فالمراد موضوع الدلیل بعد تنقیحه لا موضوعه بحسب اللفظ والتکلّم، کما یتراءی ذلک من بعض العبائر.
فإن قلت : فعلی هذا لا یبقی فرق بین أخذه من الدلیل أو من العرف .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 139
قلت : الفرق بینهما مع ذلک ثابت فلو قال الشارع : «العنب إذا غلی ینجس» فلا شکّ أنّ العرف بعد تمام تصرّفاته من إلغاء الخصوصیة ونحوه یحکم بأنّ الموضوع لهذا الحکم هو «العنب» بحیث لا یشکّ فی عدم شمول هذا الدلیل للزبیب ، ولکنّه مع ذلک لو شکّ فی أنّ «الزبیب» أیضاً محکوم بهذا الحکم أم لا ، أجری الاستصحاب ، فیقول : هذا الشیء الموجود کان سابقاً بحیث إذا غلی ینجس ، فالآن کذلک .
والسرّ فی ذلک : أنّ النهی فی قوله : «لا تنقض» تعلّق بنقض الیقین بالشکّ فکلّ ما صدق علیه هذا العنوان کان مشمولاً لهذا الحکم ، وفی المثال یکون الحکم بطهارة الشیء الموجود الذی کان نجساً سابقاً ، نقضاً للیقین بنظر العرف ، فافهم فإنّه دقیق .
ثمّ اعلم أنّ الشارع إذا قال : «کلّ جسم لاقی نجساً فهو نجس» لا یفهم منه العرف کون الموضوع للنجاسة عبارة عن حیثیّة الجسمیة الجامعة بین جمیع الأجسام ، فلو لاقی الحطب للبول مثلاً ، حکم العرف بعد دقّته أیضاً أنّ الحطب صار نجساً ، فلو صار رماداً تغیّر الموضوع قطعاً ، وعلی هذا صحّ کلام الشیخ قدس سره : أنّه لا فرق بین النجس والمتنجّس فی الطهارة بالاستحالة . والجسم فی قوله : «کلّ جسم» عنوان مشیر لا أنّه موضوع ویکون ثابتاً فی جمیع التبدّلات ، إذ لا یساعد علی هذا المعنی إلاّ العقل الدقّی الفلسفی .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 140