کلام الشیخ الأعظم فی اعتبار بقاء الموضوع ونقده
ویظهر أیضاً فساد ما فی کلام الشیخ قدس سره من جعل المستصحب فی «زید عادل» مثلاً عدالة زید وجعل زید موضوعاً للمستصحب .
توضیح الفساد : أنّ المستصحب عبارة عن مفاد القضیّة دائماً لما عرفت من أنّ الیقین وغیره یتعلّق بذلک ، وحینئذٍ فإمّا أن یکون الموضوع للأثر الشرعی هو عدالة زید بنحو الهلیّة البسیطة ؛ أعنی قولنا : «عدالة زید موجود» فالمستصحب وإن کان عبارة عن هذه القضیّة ولکنّ الموضوع فی هذه القضیّة لیس عبارة عن زید وإن کان الأثر الشرعی مترتّباً علی مفاد الهلیّة المرکّبة ؛ أعنی قولنا : «زید عادل» فزید وإن کان موضوعاً للمستصحب ، ولکنّ المستصحب لیس هو عدالة زید ، بل قولنا : «زید عادل» ، والشیخ تخیّل فی هذا الفرض أنّ المستصحب هو العدالة ، مع أنّ إثبات الأثر المترتّب علی مفاد الهلیّة المرکّبة باستصحاب مفاد الهلیّة البسیطة عمل بالأصل المثبت .
ثمّ إنّه قدس سره استدلّ علی اعتبار بقاء الموضوع بأنّه یلزم علی فرض عدم بقائه انتقال العرض أو بقائه بلا موضوع .
ویرد علیه : ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره من أنّ المقصود فی الاستصحاب هو الإبقاء تعبّداً لا حقیقة ، والبقاء التعبّدی خفیف المؤونة ، فلو فرض ترتّب الأثر علی عدالة زید بنحو الهلیّة البسیطة استصحبناها ، وإن فرض حصول الشکّ
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 135
فی بقاء زید من دون احتیاج إلی إحرازه .
ثمّ إنّ الشیخ قدس سره بعد ما اعتبر بقاء الموضوع بنحو ذکره قال ما حاصله :
فإن قلت : إذا کان الموضوع مشکوکاً فیستصحب ، ثمّ یستصحب حکمه .
قلت : لا مضایقة من جواز استصحابه فی بعض الصور إلاّ أنّه لا ینفع . . . إلی آخر کلامه قدس سره .
أقول : محصّل المقام أن یقال : الشکّ فی ثبوت المحمول للموضوع إمّا أن یکون مسبّباً عن ثبوت نفس عنوان الموضوع بحیث لو فرض بقاء الموضوع لم یشکّ فی ثبوته له ، وإمّا أن لا یکون مسبّباً عنه ، بل هنا شکّان مستقلاّن . وعلی الأوّل فالتسبّب إمّا شرعی أو عقلی فالأقسام ثلاثة :
1 ـ مثال ما إذا لم یتسبّب الشکّ فی الحکم عن الشکّ فی الموضوع : ما إذا حکم الشارع بوجوب تقلید الحیّ إذا کان عادلاً بحیث کان عنوان الحیّ بما هو حیّ موضوعاً والعدالة محمولة ، فکان زید حیّاً وعادلاً ، ثمّ شکّ فی کلّ منهما مستقلاًّ بحیث لو فرض العلم بالحیاة لکان الشکّ فی العدالة بحاله .
2 ـ مثال ما إذا تسبّب عنه وکان عقلیاً : ما إذا کان الشکّ فی العدالة فی المثال مسبّباً عن الشکّ فی الحیاة ، إذ برفع الحیاة یرتفع العدالة والعلم ونحوهما من الصفات عرفاً لکون الموت فناء بنظر العرف .
3 ـ مثال التسبّب الشرعی : ما إذا شکّ فی بقاء تغیّر الماء وتسبّب منه الشکّ فی بقاء نجاسته .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 136
إذا عرفت هذا ، فنقول : ربّما یقال فی المثال الأوّل کما فی کلام المحقّق النائینی قدس سره : أنّ جواز التقلید مترتّب علی الحیاة وعدالة زید فیستصحبان ویترتّب الأثر لجواز إحراز الموضوع للأثر بأصلین .
وفیه : أنّ هذا الکلام خروج عن محلّ البحث فإنّ ما ذکر إنّما هو فیما إذا اعتبر الحیاة والعدالة فی عرض واحد موضوعاً للحکم ، ومحلّ البحث کما هو المفروض فی کلام المستشکل السابق ما إذا کان أحد العنوانین موضوعاً للآخر واُرید باستصحاب عنوان الموضوع إحرازه حتّی یترتّب علیه استصحاب ثبوت العنوان الآخر له .
فالحقّ أن یقال : لا یجوز أن یستصحب الموضوع بلحاظ هذا الأثر ؛ أعنی ترتّب استصحاب آخر ، فلو فرض أنّ الشارع قال : «إذا کان زید الحیّ عادلاً یجوز لک تقلیده» ، فالموضوع هو قولنا : «زید الحیّ» ، والشکّ فی قولنا : «زید الحیّ عادل» شکّ تقدیری ، بمعنی أنّه لا یفرض الشکّ فی ثبوت العدالة لهذا العنوان إلاّ بعد فرض تحقّقه ولا یمکن أن یستصحب هذا العنوان ؛ أعنی الحیاة لیحرز الموضوع للشکّ فی العدالة فتستصحب .
فإن قلت : لا نحتاج فی استصحاب النسبة المتحقّقة بین قولنا : «زید الحیّ عادل» المتیقّنة سابقاً إلی إحراز عنوان الموضوع خارجاً ، وإنّما المعتبر اتّحاد القضیّة المشکوکة والمتیقّنة ، کما مرِّ.
قلت : قولنا : «زید الحیّ» معناه زید المتّصف بالحیاة فعلاً علی ما هو الحقّ
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 137
تبعاً للشیخ الرئیس من اعتبار الفعلیة فی عناوین الموضوعات ، فیجب إحراز حیاة زید فعلاً حتّی یثبت له وصفه وإلاّ لما شکّ فی ثبوت وصف العدالة له .
نعم ، الشکّ حاصل حینئذٍ فی مفاد قولنا : «زید عادل» ، وکذلک قولنا : «عدالة زید موجودة» ولکنّ المفروض أنّ موضوع الأثر لیس هذه القضیّة ولا تلک ، بل قولنا : «زید الحیّ عادل» وإثبات أثره باستصحابهما مثبت . وعمدة اشتباه المحقّق النائینی قدس سره فی المقام عدم الفرق بین قولنا : «زید الحیّ عادل» وبین قولنا : «زید عادل» .
فإن قلت : علی ما ذکرت یجب أن لا یجری الاستصحاب فیما إذا ترتّب الأثر علی قولنا : «زید عادل» أیضاً أو قولنا : «زید عادل ومجتهد وأعلم» إذا شککنا فی بقاء حیاته وعدالته واجتهاده وأعلمیته ، إذ لا شکّ أنّ زیداً فی حال مماته لا یتّصف بهذه الصفات عرفاً .
قلت : لا نسلّم ، فإنّ الموضوع لهذه الصفات نفس ماهیة «زید» عند العرف المتأصّله عندهم .
فإن قلت : ما ذکرت من کون الشکّ فی ثبوت العدالة لزید الحیّ تقدیریاً أمر لا نعقله ، إذ مفاد هذه القضیّة فعلاً إمّا مشکوک أو متیقّن ولا سبیل إلی الثانی فیتعیّن الأوّل .
قلت : لیس الموضوع مفهوم «زید الحیّ» ، بل ما هو «زید الحیّ فعلاً» لما عرفت ، وهذا لا یتصوّر إلاّ عند وجوده .
وممّا ذکرنا : یظهر الحال فی القسمین الآخرین أیضاً ، إذا اُرید باستصحاب
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 138
الموضوع إحرازه لیترتّب علیه الشکّ فی المحمول وإجراء استصحاب آخر ، وما تراه من استصحاب التغیّر وترتیب النجاسة فی الثالث فلیس ذلک باستصحاب آخر فی نفس النجاسة ، کما هو محطّ نظر المستشکل المتقدّم .
وبالجملة : فالصور الثلاثة ، متساویة فی أن لا یمکن فیها استصحاب عنوان لیترتّب علیه استصحاب آخر .
نعم ، لو کان الموضوع لجواز التقلید مثلاً «زید الحیّ العادل الأعلم» لجاز استصحاب کلّ واحد علی حدة ، ولکن هذا لا یرتبط بما نحن فیه .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 139