تنبیهات الاستصحاب

تفصیل وتحقیق

تفصیل وتحقیق

‏ ‏

‏وربّما فرّق بعض بین منقطع الأوّل والوسط‏‏  ‏‏، فحکم بجریان الاستصحاب فی‏‎ ‎‏الثانی دون الأوّل‏‏  ،‏‎[1]‎‏ ووجهه‏‏  ‏‏: بأنّ العموم قد عمل به فی الثانی فی الجملة فیمکن‏‎ ‎‏رفع الید عنه بخلاف الأوّل فإنّ الأخذ بالاستصحاب یوجب عدم العمل بحکم‏‎ ‎‏العامّ بالنسبة إلی هذا الفرد أصلاً‏‏  .‏

‏وفیه‏‏  ‏‏: أنّ هذا لیس فارقاً‏‏  ‏‏، ولو سلّم الفرق بینهما فالعکس أولی فإنّ منقطع‏‎ ‎‏الأوّل یدور أمره بین التخصیص والتقیـید‏‏  ‏‏، إذ الزمان الأوّل خارج قطعاً فلو‏‎ ‎‏فرض خروج بعده أیضاً کان قوله‏‏  ‏‏: ‏‏«‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‏ مثلاً مخصّصاً بالنسبة إلی‏‎ ‎‏هذا الفرد ولو اقتصر فی الخروج بالزمان الأوّل کان العامّ باقیاً بحاله‏‏  ‏‏، وإنّما وقع‏‎ ‎‏التصرّف فی الإطلاق فقط فیدور الأمر بین التصرّف فی أحد الأمرین من العموم‏‎ ‎‏الثابت فی المرتبة السابقة والإطلاق الثابت فی المرتبة اللاحقة‏‏  ‏‏. فلأحدٍ أن یقول‏‏  ‏‏:‏‎ ‎‏بعدم الترجیح لأحدهما فیتمسّک بالاستصحاب‏‏  ‏‏، وأمّا منقطع الوسط فإن کان‏‎ ‎‏حکم ما قبل هذا الزمان الخارج مشکوکاً کان حکمه حکم منقطع الأوّل أیضاً‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏وأمّا إذا کان الزمان الذی قبله محکوماً بحکم العامِّ، فیعلم من ذلک أنّ إخراج‏‎ ‎‏الزمان الوسط من التقیـید لا من التخصیص‏‏  ‏‏، فیقتصر فیه علی القدر المتیقّن‏‎ ‎‏ویعمل فیما بعده بالإطلاق‏‏  .‏

‏هذا‏‏  ‏‏، ولکن فی منقطع الأوّل أیضاً لا مجال للاستصحاب‏‏  ‏‏، بل یعمل‏‎ ‎‏بالإطلاق‏‏  ‏‏، ویمکن أن یقرّب ذلک بوجهین‏‏  :‏


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 130
الأوّل‏  :‏‏ أنّ العموم الأفرادی فی رتبة الموضوع للإطلاق بحسب الزمان ـ کما‏‎ ‎‏عرفت ـ فینعقد ظهوره فی رتبة سابقة‏‏  ‏‏، وبعد انعقاد ظهوره إن بقی مجال للأخذ‏‎ ‎‏بالإطلاق فهو وإلاّ لتصرّفنا فیه‏‏  ‏‏، فلا محالة یعود التصرّف فیما نحن فیه إلی حیثیة‏‎ ‎‏الإطلاق لا العموم‏‏  ‏‏، ونظیر ذلک ما قیل فی صورة دوران أمر المکلّف بین القعود‏‎ ‎‏فی الرکعة الثانیة والقیام فی الاُولی أو بالعکس‏‏  ‏‏: أنّ الواجب صرف القیام علی‏‎ ‎‏الرکعة الاُولی لعدم مزاحمة المتأخّر للمتقدّم‏‏  .‏

‏فإن قلت‏‏  ‏‏: لیس هذا من جهة التقدّم والتأخّر‏‏  ‏‏، بل من جهة أنّ القعود موقوف‏‎ ‎‏علی تحقّق موضوعه خارجاً وهو العجز ولم یحصل بعد فی الرکعة الاُولی‏‏  .‏

‏قلت‏‏  ‏‏: إن کان ذلک کما ذکرت کان اللازم عدم ملاحظة الثانیة وإن کانت أهمّ‏‎ ‎‏مع أنّ العقل ینفی ذلک‏‏  .‏

الثانی‏  :‏‏ أنّ الأمر وإن کان دائراً بین التقیـید والتخصیص ولیس أحدهما‏‎ ‎‏أرجح من الآخر لاقتضاء کلّ منهما تصرّفاً فی دلیل غیر ما یقتضی الآخر تصرّفاً‏‎ ‎‏فیه‏‏  ‏‏، ولکنّ العرف یری التخصیص مع کونه تصرّفاً واحداً تصرّفات وإخراجات‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏إذ مرجع التقیـید إلی إخراج یوم الجمعة مثلاً من حکم العامِّ، ومرجع التخصیص‏‎ ‎‏إلی إخراج جمیع الأیّام‏‏  ‏‏، فیری العرف ذلک من باب الأقلّ والأکثر‏‏  ‏‏، ولا حجّة‏‎ ‎‏للعبد إلاّ علی خروج الأقلّ فیجب علیه ترتیب حکم العامّ فی الباقی‏‏  ‏‏، وبالجملة‏‎ ‎‏فلا حجّة له فی رفع الید عن غیر المتیقّن خروجه‏‏  .‏

‏ثمّ اعلم‏‏  ‏‏: أنّ المولی إذا قال‏‏  ‏‏: ‏‏«‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‏ فی «جمیع الأیّام» أو «دائماً»‏‎ ‎‏أو «فی یوم الجمعة» مثلاً فالظرف وإن احتمل بحسب مقام الثبوت أن یکون قیداً‏‎ ‎‏للوجوب أو الوفاء أو العقد أو ظرفاً للنسبة‏‏  ‏‏، ولکنّ الأظهر هو الأخیر بحسب‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 131
‏مقام الإثبات‏‏  ‏‏، فبذلک یظهر الخلل فیما ذکر المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ من رجوع‏‎ ‎‏الظرف إمّا إلی الحکم أو المتعلّق‏‏  .‏‎[2]‎

‏ثمّ إنّ ما ذکره أیضاً‏‏  ‏‏: من أنّ الاستمرار إذا کان قیداً للحکم فلا یثبت حال‏‎ ‎‏الحکم من الاستمرار وغیره لکونه بمنزلة الحکم له والحکم لا یثبت حال‏‎ ‎‏موضوعه‏‏  ،‏‎[3]‎‏ فاسد جدّاً‏‏  ‏‏، لکونه خلطاً بین الموضوع التکوینی وبین الموضوع‏‎ ‎‏الذی تکوینه بجعل الشارع وله أن یحکم باستمراره أو عدم استمراره‏‏  ‏‏، ولازم‏‎ ‎‏کلامه ‏‏قدس سره‏‏أنّه لو أردنا الحکم باستمراره بسبب ما قال‏‏  ‏‏: «أنّه مستمرّ» لوجب أن‏‎ ‎‏نثبت استمراره أوّلاً‏‏  ‏‏، ثمّ نحکم علیه ثانیاً بالاستمرار‏‏  ‏‏، فافهم وتأمّل جیّداً‏‏  .‏‎[4]‎

وإن شئت قلت‏ فی ردّ المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏  ‏‏: أنّ الموضوع فی قولنا‏‏  ‏‏: «الحکم‏‎ ‎‏مستمرّ» لیس عبارة عن الحکم بقید الاستمرار‏‏  ‏‏، بل مهملة الحکم فإنّها التی‏‎ ‎‏یحکم علیها بالاستمرار ویکون من أحکامها وعوارضها‏‏  .‏

‏وعلی هذا فما هو الموضوع فی القضیّة‏‏  ‏‏؛ أعنی المهملة لا یثبت بالحکم وما‏‎ ‎‏یثبت به‏‏  ‏‏؛ أعنی الاستمرار لیس دخیلاً فی الموضوع‏‏  ‏‏، فافهم‏‏  .‏

 

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 132

  • - درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 571 .
  • - فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 535 .
  • - فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 537 .
  • - ثمّ اعلم : أنّ ما ذکره المحقّق الهمدانی قدس سره : من أنّ الدوام إذا لوحظ قیداً للمتعلّق ؛ أعنی الإکرام مثلاً فإخراج بعض الأزمنة یوجب عدم جواز التمسّک بالعامِّ، فاسد أیضاً ؛ فإنّ الدوام حینئذٍ ، کما صرّح به متعلّق لحکم واحد فهو بمنزلة العامّ المجموعی ، وتخصیص العامّ المجموعی ممّا لا إشکال فیه فیثبت الحکم لبقیّة الأفراد بنحو الوحدة .     ولکنّ الهمدانی قدس سره مع ذلک قد حقّق فی المسألة وأوضحها بنحو لم یوضحها أحد ، فراجع حاشیته علی «الرسائل» . حاشیة فرائد الاُصول (الفوائد الرضویة) : 430 ـ 433 . [ المقرّر حفظه الله ]