فروض ترتّب الأثر علی الحادثین
وأمّا إذا علمنا بتحقّق الحادثین وشککنا فی تقدّم أحدهما علی الآخر وکانا ضدّین کما فی الحدث والطهارة والکرّیة وملاقاة النجاسة وعقد الأب وعقد الجدِّ، فهل یستصحب الوجودان مطلقاً ویتعارضان أو لا یستصحبان أو تفصیل بین مجهولی التأریخ وغیره . فالمحقّق الخراسانی قدس سره قد أراح نفسه فاختار حینئذٍ أیضاً عدم جریان الاستصحاب لعدم إحراز اتّصال زمان الشکّ بالیقین من جهة تردّد زمان المتیقّن ، وقد أجبنا عنه بوقوع الخلط بین العلم والمعلوم ، فتدبّر .
وقبل بیان المقصود ینبغی الإشارة إلی الأقسام :
فنقول : إمّا أن یکونا مجهولی التأریخ أو یکون أحدهما معلوم التأریخ ، وعلی کلا التقدیرین ، فإمّا أن یعلم الحالة السابقة علیهما أو لا تعلم ، وعلی فرض العلم بها فإمّا أن تکون مماثلة لإحدی الحالتین أو تکون أضعف أو أقوی ، مثال المماثل ما إذا علم سابقاً بالحدث الأصغر ثمّ علم بحدوث طهارة وحدث أصغر آخر وشکّ فی المتقدّم منهما أو علم بالطهارة ، ثمّ علم بحدوث طهارة اُخری وحدث أصغر ولم یعلم المتقدّم . ومثال الأقوی ما إذا علم بحدوث نجاسة بولیة فی ثوبه ثمّ علم بحدوث نجاسة دمویة وطهارة قابلة لرفع البول ؛ أعنی الغسل مرّتین ، وبذلک یظهر مثال الأضعف أیضاً .
إذا عرفت هذا، فنقول: أمّا فی مثال الحدث والطهارة إذا کانا مجهولی التأریخ،
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 123
فالمشهور هو القول بوجوب التطهیر سواء علم بالحالة قبل الحالتین أم لا .
وقال المحقّق فی «المعتبر» بوجوب الأخذ بضدّ الحالة السابقة إذا کانت معلومة ، إذ الحالة السابقة إن کانت عبارة عن الطهارة ، فنحن نعلم بزوالها للعلم بحدوث حدث وطهارة ، ولکنّه لا یعلم بزوال الحدث لاحتمال وقوع الطهارة عقیب الطهارة فیستصحب الحدث وإن کانت الحالة السابقة عبارة عن الحدث فقد علم برفعه فیستصحب الرافع ؛ أعنی الطهارة لجواز وقوع الحدث عقیب الحدث .
وردّه القوم بأنّه کما یجوز أن یستصحب الطهارة فی المثال الثانی ، فکذلک یجوز أن یستصحب الحدث فیتعارضان .
فإن قلت : المعلوم هو سبب الحدث ؛ أعنی النوم مثلاً وأمّا نفس الحدث فغیر معلوم ، إذ السبب المترتّب علی سبب آخر لا یؤثّر أصلاً .
قلت : المفروض هو العلم بکونه عقیب هذا النوم محدثاً إمّا لنفسه أو للحدث الأوّل السابق فیستصحب الحدث المعلوم عقیب النوم .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 124
فإن قلت : یلزم علی ذلک جریان استصحاب الجنابة فیما إذا علم بالجنابة فی الصبح والغسل بعده ، ثمّ رأی فی ثوبه منیّاً یحتمل کونه من الصبح ویحتمل کونه من جنابة حادثة للعلم بکونه جنباً حین خروج هذا المنیّ ولم یعلم زواله .
قلت : فرق بین المثالین ، أمّا أوّلاً : فللعلم بتعدّد السبب فیما نحن فیه دون مثال الجنابة . نعم ، لو علم بحدوث جنابة اُخری واحتمل کونها عقیب الاُولی صارت مثالاً لما نحن فیه .
وثانیاً : بینهما فرق آخر ، فراجع طهارة الهمدانی قدس سره .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 125