کلام صاحب الکفایة فی مجهولی التأریخ وجوابه
ولیعلم أنّ ما ذکرنا فی المقام من جمیع الشقوق المتصوّرة ، إنّما هو من جهة أنّ کلّ واحد من الناظرین فی «الکفایة» قد فهم من کلامه شیئاً فأردنا أن نشیر أوّلاً إلی الصور المتصوّرة وإن کانت أنیاب أغوال ، ثمّ نشیر إلی مقصود صاحب «الکفایة» .
فنقول : إنّه قدس سره عدّ للحادث الذی نسب إلی حادث آخر إذا کانا مجهولی التأریخ أربعة صور .
والظاهر أنّ مراده من الصورة الاُولی ، الصورة الخامسة ممّا ذکرنا ، ومن الثانیة ، التاسعة ، ومن الثالثة ، الرابعة عشر ، ومن الرابعة ، الخامسة عشر ، ولکنّه ربّما یتوهّم من تعبیره بالوجود الخاصّ أن یکون مراده من الصورة الاُولی ، السابعة ممّا ذکرنا ، فتدبّر .
ولا یتوهّم کون مراده من الثالثة ، العاشرة أو الحادیة عشر ممّا ذکرنا وإلاّ لوجب أن یکون مراده من الرابعة أیضاً العدم المقیّد بزمان الآخر ، واعتبار هذا المقیّد بنحو الهلیّة البسیطة لا یمکن إلاّ بأن یعتبر لنفسه وجود وعدم ، فیقال : العدم الخاصّ المقیّد موجود أو معدوم ، ومن هنا یظهر لک أنّ الشقوق المتصوّرة أزید ممّا ذکرنا ، فافهم وتأمّل .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 111
إذا عرفت مراد صاحب «الکفایة» قدس سره فنقول : بعد جعل مفروض البحث حیثیة المقارنة دون التقدّم والتأخّر ، اختار قدس سره فی الصورة الاُولی جریان استصحاب العدم فی حدّ نفسه ، وفی الثانیة عدم الجریان .
أمّا کلامه فی الاُولی فمتین ، إذ لو کان وجود زید فی حال وجود عمرو مثلاً موضوعاً للأثر وکان زید مسبوقاً بالعدم ، فیستصحب عدمه إلی زمان وجود عمرو ولا یشکل بأنّ استصحاب عدمه المطلق لا یثبت العدم المقیّد ، فإنّ الأثر للعدم المطلق . غایة الأمر : اُخذ زمان عمرو ظرفاً .
وأمّا ما ذکره من عدم جریان استصحاب العدم فی الصورة الثانیة ؛ أعنی ما إذا کان الأثر مترتّباً علی مفاد الهلیّة المرکّبة الموجبة فیرد علیه :
أوّلاً : بأنّه یمکن استصحاب العدم البسیط الأزلی لنفی الأثر .
وثانیاً : بأنّ نفس الهلیّة المرکّبة أیضاً یمکن استصحاب عدمها الأزلی لنفی الأثر ، مثلاً لو کان الأثر مترتّباً علی قولنا : «زید مقارن لعمرو» فلنا أن نستصحب عدم مقارنة زید لعمرو بنحو السلب البسیط الثابت فی الأزل ولو قبل وجودهما ، ولنا أن نستصحب مفاد قولنا : «لیس زید مقارناً لعمرو» الصادق بانتفاء الموضوع أیضاً ، فإنّه نقیض لقولنا : «زید مقارن لعمرو وعدم له» فیستصحب لنفی الأثر .
فإن قلت : کیف یستصحب السلب البسیط لنفی أثر الهلیّة المرکّبة ؟
قلت : المرکّبة تتقوّم بثلاثة أجزاء : الموضوع والمحمول والنسبة ، فسلب کلّ منها یکفی لنفی أثرها .
وإن شئت قلت : الفرق بین النسبة التامّة الموجودة فی قولنا : «زید مقارن
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 112
لعمرو» والنسبة الناقصة الموجودة فی قولنا : «مقارنة زید لعمرو اعتباری» ، مربوط بکیفیة الاعتبار ولیس إثبات أحدهما بالآخر ، مثل إثبات الفرد باستصحاب الکلّی الذی هو من أوضح أنحاء الأصل المثبت ، ولذا لو فرض وجود ماء فی الحوض مسبوق بالکرّیة ، فلنا أن نقول : «هذا الماء کان کرّاً فالآن کذلک» ، ولنا أن نقول : «کرّیة هذا الماء کان متحقّقاً فالآن کذلک» ، ولکن لا یکفی أن نقول : «الکرّ کان موجوداً فی الحوض» فیستصحب ، إذ المستصحب فی الثالث وجود الکرّ الکلّی . غایة الأمر : کونه کلّیاً منحصراً فی الفرد .
وأمّا الصورة الثالثة ممّا ذکره وهی علی ما ذکرنا : ما إذا کان الأثر مترتّباً علی قولنا : «زید معدوم فی زمان عمرو» بحیث یکون المقصود إثبات حصّة من العدم فهو قدس سره صرّح بعدم کونها مورداً للاستصحاب ، والحقّ معه ظاهراً ، بل فی بعض النسخ جریان استصحاب عدمه أیضاً فإنّ زیداً لم یکن العدم الخاصّ ثابتاً له فی حال عدمه ولم یعلم اتّصافه بهذا العدم الخاصّ حین حدوثه فیستصحب عدم کونه متّصفاً به الثابت فی الأزل ، هذا .
ولکن عدم جریان الاستصحاب فی الصورة الثالثة ، یدلّ علی اعتباره قدس سره زمان وجود عمرو قیداً للعدم لا ظرفاً وإلاّ لکان لنفس هذا العدم حالة سابقة . وعلی هذا فیجب أن یعتبر العدم فی الصورة الرابعة أیضاً قیداً ، إذ لم یفرق قدس سره بینهما إلاّ من جهة اعتبار اتّصاف الحادث بهذا العدم وعدمه .
وبالجملة : فإن أراد قدس سره من العدم فی الصورة الثالثة ، العدم المقیّد ، فقوله : «بعدم جریان الاستصحاب فیه» وإن کان صحیحاً ، إلاّ أنّه یرد علیه :
أوّلاً : أنّ العدم فی الصورة الرابعة أیضاً یجب أن یعتبر مقیّداً ، وحینئذٍ فیکون
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 113
عدم جریان الاستصحاب فیها أیضاً معلوماً لعدم الحالة السابقة ولا یحتاج إلی بیان اعتبار اتّصال زمان الشکّ بالیقین فی باب الاستصحاب .
وثانیاً : أنّ ما ذکره فی بعض النسخ من جریان استصحاب عدم هذا العدم لکونه مسبوقاً بالعدم الأزلی وإن کان صحیحاً ، ولکنّ اللازم من الالتزام بذلک الالتزام بجریان استصحاب العدم فی الصورة الثانیة أیضاً کما قلنا .
وإن أراد من العدم فی الصورة الثالثة الحصّة من العدم ، بحیث یعتبر الزمان ظرفاً وإن کان قیداً بالدقّة ، فیرد علیه : أنّ نفس هذا العدم له حالة سابقة فیجب أن یستصحب کما فی الصورة الرابعة ، إلاّ أن یلزم إشکال آخر من عدم اتّصال زمان الشکّ بالیقین .
وأمّا الصورة الرابعة ، وهی ما إذا کان الأثر مترتّباً علی عدم زید فی زمان عمرو بنحو السلب البسیط بحیث یکون الزمان ظرفاً لثبوت الحکم لا قیداً للموضوع فهو قدس سره أنکر جریان الاستصحاب فیه بزعم أنّ المعتبر فی الاستصحاب اتّصال زمان الشکّ بالیقین وهنا لم یحرز اتّصاله .
والواجب أوّلاً بیان معنی الاتّصال وبیان وجه اعتباره .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 114