الکلام فی ما أورده الأعلام علی المحقّق النراقی
أقول : لا یرد علی المحقّق النراقی قدس سره ما أورده هؤلاء الأعلام .
أمّا ما ذکره الشیخ قدس سره. فیرد علیه : أنّ المحقّق النراقی قدس سره لم یقل باستصحاب الوجود دائماً حتّی یرد علیه أنّ لحاظ الزمان قیداً مانع عن جریانه ، بل کان مقصوده أنّ استصحاب الوجود بعد فرض جریانه لاجتماع شرائطه یکون معارضاً باستصحاب عدمی ، فمورد کلامه قدس سره هو صورة أخذ الزمان ؛ أعنی به قبل الزوال فی المثال ، ظرفاً حتّی یجری استصحاب الوجود .
فإن قلت : فحینئذٍ لا یجری الاستصحاب العدمی .
قلت : الجلوس المقیّد بما بعد الزوال موضوع من الموضوعات قابل لأن یحکم علیه بالوجوب فیستصحب عدم وجوبه .
والحاصل : أنّه کلّما جری استصحاب وجود الحکم السابق من جهة عدم أخذ الزمان قیداً فیه فلنا أن نجری استصحاباً عدمیاً لموضوع اختراعی یکون مقیّداًَ بزمان الشکِّ، وأخذ الزمان الثانی قیداً لا یستلزم أخذ الأوّل کذلک .
وأمّا ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره. فیرد علیه : أنّ معنی الإطلاق لیس لحاظ الأفراد بخصوصیاته المفردة حتّی یتوقّف شمول «لا تنقض» للاستصحابین فی
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 80
المقام ، علی لحاظ الزمان ، تارة قیداً واُخری ظرفاً ، بل معنی الإطلاق : هو جعل حیثیة تمام الموضوع للحکم ، ولازم ذلک سریان الحکم بسریانها الذاتی ففی قوله : «لا تنقض» یکون الحرمة حکماً مجعولاً لحیثیة نقض الیقین بالشکِّ، فکلّ ما صدق علیه نقض الیقین بالشکّ یکون مشمولاً لهذا الحکم من دون احتیاج فی ترتّبه علیه إلی لحاظه بخصوصیاته من کونه عدمیاً أو وجودیاً مقیّداً بالزمان أو غیر مقیّد .
وبالجملة : فما ذکره من لزوم الجمع بین اللحاظین اشتباه ، منشؤه عدم تبیّن حقیقة الإطلاق . هذا مضافاً إلی ما عرفت من أنّ مورد کلام المحقّق النراقی قدس سره هو صورة أخذ الزمان السابق ظرفاً .
فإن قلت : ما معنی أخذ الزمان ظرفاً مع کونه مذکوراً فی لسان الدلیل ؟
قلت : کلّما ذکر الزمان فی لسان الدلیل ، فهو بحسب الحقیقة والدقّه وإن کان قیداً ، إلاّ أنّ العرف لا یراه من القیود المفردة للموضوع بحیث یصیر تبدّله موجباً لتبدّل الموضوع ، إلاّ إذا صرّح المولی بقیدیّته بأن قال : یجب علیک الجلوس المقیّد بکونه قبل الزوال مثلاً .
وأمّا ما ذکره النائینی قدس سره. فیرد علیه : أوّلاً : أنّ تقیّد الوجود بشیء لا یوجب تقیّد العدم المضاف إلیه بذلک الشیء فإذا جعل الوجوب المقیّد بما بعد الزوال موضوعاً مستقلاًّ فی قبال الوجوب الثابت قبله فلا یلزم أن یقیّد عدمه أیضاً بما بعد الزوال ، وعلی هذا فللوجوب بعد الزوال عدم برأسه ، وهذا العدم عدم مطلق أزلی والوجوب قبل الزوال لیس نقضاً لهذا العدم ، بل نقض لعدم نفسه .
نعم ، هاهنا کلام ذکره أهل المعقول فی محلّه وهو : أنّ نقیض الوجود هو
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 81
العدم البدیل له لا العدم المطلق الأزلی ، ولازم ذلک کون تقیّد الوجود بزمان مستلزماً لتقیّد العدم به أیضاً ولکنّ الاستصحاب لا یدور مدار هذه المداقّات وإلاّ لم یمکن استصحاب العدم الأزلی مطلقاً ، فافهم وتأمّل .
وثانیاً : أنّ ما ذکره أخیراً من الإشکال فی استصحاب اللا حرجیة الأصلیة غیر صحیح ، إذ لیس مقصودنا إثبات لا حرجیة مضافة إلی الشارع بأن تکون مجعولة له ، بل اللا حرجیة المطلقة الجامعة بین الأصلیة والمضافة إلیه تکفی لرفع الحرج وهی مسبوقة بالتحقّق فتستصحب .
هذا ، مضافاً إلی ما مرّ منّا سابقاً من أنّا لا نسلّم احتیاج اللا حرجیة إلی الجعل ، نظیر الطهارة الغیر المحتاجة إلیه وإنّما الذی یحتاج إلی الجعل هو الحرمة والوجوب والاستحباب والکراهة والنجاسة والإباحة الاقتضائیة لو فرض لها مصداق .
وبالجملة : فالاقتضائیات محتاجة إلی الجعل وإلاّ فالأشیاء بحسب ذواتها مباحة ونظیفة ، فتدبّر .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 82