تنبیهات الاستصحاب

شبهة المحقّق النراقی ودفعها

شبهة المحقّق النراقی ودفعها

‏ ‏

‏ثمّ إنّ المنقول عن المحقّق النراقی ‏‏قدس سره‏‏ أنّه قال ما حاصله‏‏  ‏‏: أنّ الحکم الشرعی‏‎ ‎‏المتیقّن سابقاً وضعیاً کان أو تکلیفیاً‏‏  ‏‏، إذا شکّ فی بقائه فکما یجری استصحابه‏‎ ‎‏یجری استصحاب العدم الأزلی بالنسبة إلی الزمان المشکوک فیه‏‏  ‏‏، إذ لم یعلم‏‎ ‎‏انقلابه إلی الوجود إلاّ بالنسبة إلی الزمن السابق‏‏  ‏‏، فلو أمر الشارع بالجلوس یوم‏‎ ‎‏الجمعة وعلم بثبوته إلی الزوال ولم یعلم بوجوبه بعده‏‏  ‏‏، فیقال‏‏  ‏‏: کان عدم التکلیف‏‎ ‎‏بالجلوس قبل الجمعة وفیه إلی الزوال وبعده معلوماً سابقاً‏‏  ‏‏، ثمّ انتقض العدم‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 77
‏بالنسبة إلی قبل الزوال من یوم الجمعة وعلم بقاؤه بالنسبة إلی یوم الخمیس‏‎ ‎‏وشکّ فی انتقاضه بالنسبة إلی ما بعد الزوال من یوم الجمعة فیستصحب العدم‏‎ ‎‏ویتعارض مع استصحاب الوجوب الثابت قبل الزوال‏‏  .‏

‏فإن قلت‏‏  ‏‏: یحکم ببقاء الیقین المتّصل بالشکّ وهو الیقین بالوجوب‏‏  .‏

‏قلت‏‏  ‏‏: الیقین بالعدم أیضاً متّصل بالشکِّ، إذ الشکّ فی حکم ما بعد الزوال من‏‎ ‎‏یوم الجمعة حاصل فی یوم الخمیس أیضاً قبل تحقّق الأمر بالوجوب‏‏  ،‏‎[1]‎‏ انتهی‏‏  .‏

أقول‏  :‏‏ والأولی أن یقول فی جواب إن قلت‏‏  ‏‏: بأنّ انتقاض عدم الوجوب‏‎ ‎‏الثابت قبل الزوال لا یوجب انتقاض الوجوب الثابت بعده‏‏  ‏‏، إذ لکلّ من الوجوبین‏‎ ‎‏عدم برأسه‏‏  ‏‏، ففی زمان الیقین بالوجوب الثابت قبل الزوال أیضاً یشکّ فی‏‎ ‎‏الوجوب بعده فیتّصل الشکّ فی الوجوب بعد الزوال بالیقین بالعدم الأزلی الثابت‏‎ ‎‏لنفسه کما لا یخفی‏‏  .‏

‏ثمّ إنّ الشیخ أجاب عمّا ذکره المحقّق النراقی‏‏  ‏‏: بأنّ قبل الزوال فی المثال‏‎ ‎‏إن اُخذ قیداً للوجوب أو الجلوس فلا مجال لاستصحاب الوجوب للقطع‏‎ ‎‏بارتفاع ما علم وجوده وإن لوحظ ظرفاً للوجوب فلا مجال لاستصحاب العدم‏‎ ‎‏لأنّ العدم المطلق انتقض بالوجود المطلق‏‏  ،‏‎[2]‎‏ انتهی‏‏  .‏

‏وقال المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی حاشیته توضیحاً لذلک ما حاصله‏‏  ‏‏: أنّ‏‎ ‎‏شمول دلیل‏‏  ‏‏: «لا تنقض» لاستصحاب العدم فی المقام یتوقّف علی لحاظ الزمان‏‎ ‎‏قیداً مفرداً للموضوع‏‏  ‏‏، وشموله لاستصحاب الوجود یتوقّف علی لحاظه ظرفاً‏‏  ‏‏،‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 78
‏فشموله لکلیهما موجب للجمع بین اللحاظین فی دلیل الاستصحاب وعدم‏‎ ‎‏لحاظ واحد منهما یوجب الإهمال فیه وعدم دلالته علی واحد من‏‎ ‎‏الاستصحابین‏‏  ،‏‎[3]‎‏ انتهی‏‏  .‏

‏وقال المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ما حاصله‏‏  ‏‏: إنّ استصحاب العدم الأزلی لا یجری‏‎ ‎‏فی المقام وإن اُخذ الزمان قیداً فإنّ العدم المقیّد بقید خاصّ إنّما یکون متقوّماً‏‎ ‎‏بوجود القید‏‏  ‏‏، کما أنّ الوجود المقیّد به أیضاً متقوّم به‏‏  ‏‏، ولا یعقل أن یتقدّم العدم أو‏‎ ‎‏الوجود المقیّد بزمان خاصّ عن هذا الزمان‏‏  ‏‏، وحینئذٍ نقول‏‏  ‏‏: إنّه إذا وجب‏‎ ‎‏الجلوس إلی الزوال انتقض العدم الأزلی المطلق‏‏  ‏‏، وأمّا المقیّد بما بعد الزوال‏‎ ‎‏فلیس له تحقّق قبله حتّی یستصحب‏‏  ‏‏، إذ قبل الزوال لیس الوجوب المقیّد بما بعد‏‎ ‎‏الزوال ولا عدم الوجوب المقیّد به متحقّقاً‏‏  ‏‏، إلاّ علی نحو السالبة بانتفاء‏‎ ‎‏الموضوع‏‏  .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یراد استصحاب عدم الجعل‏‏  ‏‏، إذ لکلّ من الوجودین الثابتین قبل‏‎ ‎‏الزوال وبعده فیما لا یزال جعلاً وإنشاءً فی الأزل‏‏  ‏‏، فیستصحب عدم جعل‏‎ ‎‏الوجوب لما بعد الزوال‏‏  ‏‏، إلاّ أنّ إثبات عدم المجعول بعدم الجعل عمل بالأصل‏‎ ‎‏المثبت‏‏  .‏

‏هذا‏‏  ‏‏، مضافاً إلی أنّ استصحاب البراءة الأصلیة المعبّر عنه بالعدم الأزلی‏‎ ‎‏لا یجری مطلقاً إذ العدم الأزلی لیس إلاّ عبارة عن اللا حرجیة واللا حکمیة‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏وهذا المعنی بعد وجود المکلّف واجداً للشرائط قد انتقض قطعاً ولو إلی الإباحة‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 79
‏فإنّ اللا حرجیة قبل وجود المکلّف غیر اللا حرجیة الثابتة بعد وجوده‏‏  ‏‏، لاستناد‏‎ ‎‏الثانی إلی الشارع دون الأوّل‏‏  ،‏‎[4]‎‏ انتهی‏‏  .‏

 

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 80

  • - مناهج الأحکام والاُصول : 239 / السطر 3 ـ 20 .
  • - فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 26 : 209 ـ 211 .
  • - درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 344 .
  • - فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 446 ـ 447 .