استصحاب الاُمور المقیّدة بالزمان الخاصّ
ثمّ إنّ الشیخ قدس سره بعد ما ذکر القسمین الأوّلین ؛ أعنی الزمان والزمانی قال : «وأمّا القسم الثالث وهو ما کان مقیّداً بالزمان فینبغی القطع بعدم جریان الاستصحاب فیه ، ووجهه : أنّ الشیء المقیّد بزمان خاصّ لا یعقل فیه البقاء» . ثمّ رتّب علی ذلک فساد کلام النراقی کما سیجیء بیانه .
أقول : استصحاب الأمر المقیّد بالزمان الخاصّ یتصوّر علی وجهین :
الأوّل : أن یراد استصحابه عند الشکّ فی انقضاء الزمان المأخوذ قیداً .
الثانی : أن یراد استصحابه بعد انقضاء هذا الزمان .
والشیخ قدس سره جعل المبحوث عنه فی المقام ، الصورة الثانیة ، مع أنّ مقتضی ذکره ذلک فی سلک استصحاب الاُمور التدریجیة هو جعل الصورة الاُولی مبحوثاً عنها حتّی یصیر مع استصحاب الزمان والزمانیات التدریجیة من وادٍ واحد ، ویکون ملاک البحث فی جمیع الأقسام الثلاثة أمراً واحداً ، وهو أنّ الاُمور المتدرّجة إمّا باعتبار ذواتها أو باعتبار قیودها ، هل یجری فیها
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 74
الاستصحاب إذا شکّ فی انقضائها أم لا ؟
وأمّا الصورة الثانیة ، فلیس ملاک البحث فیها مرتبطاً بما هو ملاک البحث فی القسمین الأوّلین ، بل لیس البحث فیها مختصّاً بما إذا کان القید زماناً ، فیجری فی المکان ، بل وغیره من القیود ، ویرجع البحث فیها إلی أنّ المقیّد بقید إذا زال قیده هل یمکن استصحابه أم لا ؟ فلا یرتبط بباب استصحاب الزمان والزمانیات کما أنّ کلام النراقی أیضاً لا یرتبط لا بهذا الباب ولا بذاک ، بل محطّ کلامه هو التفصیل فی باب الاستصحاب بین الموضوعات الخارجیة وبین الأحکام فیجری فی الاُولی بلا معارض بخلاف الثانیة ؛ فإنّه یکون فیها مزاحماً بالمعارض دائماً ، فافهم .
وکیف کان : فالأمر المقیّد بالزمان إذا شکّ فی بقائه من جهة الشکّ فی انقضاء قیده ، هل یجری فیه الاستصحاب أم لا ؟ الظاهر أنّه یجری فیه إذا کان له حالة سابقة ، کما إذا وجب الإمساک فی یوم الجمعة مثلاً ، فأمسک العبد إلی زمان شکّ فیه فی تحقّق الغروب ، فیقول : إنّ الإمساک فی یوم الجمعة کان محقّقاً سابقاً والآن کما کان ، فیترتّب علیه الوجوب .
لا یقال : إنّ الإمساک الفعلی لم یکن محقّقاً سابقاً .
فإنّه یقال : إنّ الإمساک المستمرّ أمر واحد عقلاً وعرفاً فالإشکال فیه هو الإشکال فی باب الزمان وسائر التدریجیات وقد عرفت جوابه .
لا یقال : إذا کان الشکّ فی بقاء المقیّد مسبّباً عن الشکّ فی بقاء قیده ؛ أعنی الزمان فلِمَ لا یستصحب القید ؟
فإنّه یقال : إثبات المقیّد باستصحاب قیده عمل بالأصل المثبت .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 75
فإن قلت : هذا ینافی ما ذکرت سابقاً من أنّ استصحاب الطهارة والنهاریة وغیرهما من قیود الواجبات لا یکون مثبتاً بالنسبة إلی إحراز کون المأتیّ به معها مصداقاً لما أمر به من جهة أنّ متعلّق الوجوب من توابع الحکم ، فإذا استصحب الطهارة مثلاً ، یترتّب علیه جواز الصلاة المشروطة بالطهارة معها وکذلک إذا استصحب علم زید یترتّب علیه وجوب إکرامه وبإتیان الصلاة وإیجاد الإکرام یتحقّق الامتثال .
قلت : فرق بین المقام وبین ما ذکر سابقاً ، فتدبّر .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 76
هذا إذا کان للأمر المقیّد بالزمان حالة سابقة .
وأمّا إذا لم یکن له حالة سابقة ، کما إذا وجب الجلوس فی النهار لا بنحو الاستیعاب ، بل فی زمان قلیل منه فجلس فی زمان شکّ فیه فی بقاء النهار ، فاستصحاب النهاریة بالنسبة إلی إحراز الواجب مثبت ونفس الواجب أیضاً لیس له حالة سابقة .
اللهمّ إلاّ أن یتمسّک بالاستصحاب التقدیری بأن یقال : لو وجد الجلوس فی السابق کان جلوساً فی النهار فالآن کما کان .
ولکن یتوجّه علی ذلک أنّ الیقین التقدیری فی باب الموضوعات والمتعلّقات غیر منتج ، وإن سلّمنا حجّیة الاستصحاب التعلیقی فی محلّه .
وبذلک یظهر فساد ما تصدّی له بعضهم من رفع الإشکال الذی مرّ سابقاً فی استصحاب قیود الواجبات بإجراء الاستصحاب التعلیقی بأن یقال مثلاً : مع الشکّ فی الطهارة أنّ الصلاة لو وجدت سابقاً کانت مع الطهارة فالآن کما کانت .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 77