استصحاب الزمانیات
قد عرفت : أنّ الشیخ قدس سره قسّم الاُمور المتصرّمة علی ثلاثة أقسام : الزمان والزمانی المتصرّم والزمانی المستقرّ المتقیّد بالزمان .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 72
والأولی تقسیمها بنحو آخر بأن یقال : الاُمور المتصرّمة إمّا أن تکون بحیث لا یری العرف تصرّمها ، کنور السراج والشمس مثلاً ؛ فإنّه دائماً ینعدم منه شعاع ویوجد منه شعاع آخر ، ولکنّ العرف یری الأشعّة المنعکسة أمراً ثابتاً ، وإمّا أن تکون متصرّمة بنظر العرف والعقل معاً ولکنّها مع تصرّمها تکون شخصیتها باقیة عقلاً وعرفاً کالزمان والحرکة وجریان الماء وسیلان الدم ، وإمّا أن تکون بحسب الدقّة ، بل بحسب نظر العرف أیضاً موجودات متکثّرة ولکنّها مع تکثّرها تعتبر بجهة اُخری شخصاً واحداً کقراءة القرآن وإنشاء الخطبة ونحوهما ، فهذه ثلاثة أقسام . ولا إشکال فی اعتبار الاستصحاب فی القسمین الأوّلین ، بل وفی القسم الأخیر أیضاً ، وحافظ الوحدة فی القسم الأخیر یختلف باختلاف الموارد فالمدرّس مثلاً یعتبر جمیع کلماته موجوداً واحداً مادام اشتغاله بتدریس الفقه مثلاً ، ثمّ إذا أعرض عن ذلک وشرع فی الاُصول مثلاً ، یعدّ ما بعد ذلک موجوداً آخر وإن شرع فیه بلا فصل .
وبالجملة : فالوحدة والتعدّد فی هذه الاُمور موکول إلی العرف ، وأمّا ما یتراءی من کلام الشیخ والنائینی من کون الوحدة والتعدّد فیها بتبع وحدة الداعی وتعدّده أو وحدة المبدأ وتعدّده .
ففیه ما لا یخفی : ضرورة أنّ النهر الجاری مثلاً ما لم ینقطع جریانه یعدّ موجوداً واحداً وإن تعدّد مبدؤه فإنّ العرف ربّما یغفل عن مادّته ومبدئه ، ومع ذلک یحکم بکونه موجوداً واحداً متّصلاً ما لم یتخلّل فی البین عدم الجریان ،
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 73
وکذا الخطیب والمدرّس ربّما یتغیّر داعیه فی أثناء الدرس أو الخطبة ، ومع ذلک یعدّ الدرس الواحد موجوداً واحداً وإن وجد أوّله بداعی الریاء مثلاً وآخره بداعی إلهی .
وبالجملة : فلیس الملاک فی الوحدة والتعدّد فی المقام وحدة الداعی وتعدّده ، بل الملاک فیهما یختلف بحسب المقامات وتعیـینه موکول إلی العرف ، فتدبّر .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 74