استصحاب نفس الزمان
قال الشیخ قدس سره فی «الرسائل» ما حاصله : أنّ مورد الاستصحاب هو الشکّ فی البقاء ویترتّب علی ذلک عدم جریان الاستصحاب فی نفس الزمان ولا فی الزمانی الذی لا استقرار لوجوده وکذا فی المستقرّ الذی یؤخذ قیداً له إلاّ أنّه یظهر من جماعة جریانه فی الزمان فیجری فی القسمین الأخیرین بطریق أولی .
والتحقیق : أنّ هنا أقساماً ثلاثة : أمّا نفس الزمان فإن کان المقصود من استصحابه استصحاب مفاد کان الناقصة منه بأن یقال : هذا الجزء کان نهاراً فی السابق فیستصحب کونه کذلک فلا إشکال فی عدم جریانه .
نعم ، لو اُخذ المستصحب مجموع اللیل أو النهار ، ولوحظ کونه أمراً خارجیاً واحداً واُرید بالاستصحاب استصحاب مفاد کان التامّة منه أمکن القول بجریانه فیه ، إمّا بأن یقال : بعدم اعتبار البقاء مطلقاً فی الاستصحاب ، وإنّما الملاک فی جریانه هو الشکّ فی وجود الشیء مع العلم بتحقّقه سابقاً ، أو یقال : بصدق البقاء
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 67
أیضاً مسامحة من جهة أنّ بقاء کلّ شیء بحسبه ، إلاّ أنّ هذا المعنی علی تقدیر صحّته لا یکاد یجدی فی إثبات کون الجزء المشکوک فیه متّصفاً بکونه من النهار أو اللیل حتّی یصدق علی الفعل الواقع فیه أنّه واقع فی اللیل أو النهار ، إلاّ علی القول بالأصل المثبت . وبعبارة اُخری : استصحاب مفاد کان التامّة لا یثبت به مفاد کان الناقصة ، انتهی .
وقال فی «الدرر» ما حاصله : أنّ المعتبر فی الاستصحاب صدق نقض الیقین بالشکِّ، وذلک فیما إذا شکّ فی تحقّق الشیء لاحقاً مع العلم بتحقّقه سابقاً ولا یعتبر فیه أن یکون الشکّ فی البقاء ، فحینئذٍ لا فرق فی المستصحب بین ما یکون قارّاً بالذات وبین غیره ؛ ضرورة أنّ الأمر التدریجی ما لم ینقطع وجود واحد حقیقی وإن کان نحو وجوده أن یتصرّم شیئاً فشیئاً .
نعم ، لو کان محلّ الاستصحاب الشکّ فی البقاء أمکن أن یقال : إنّ مثل الزمان والزمانیات خارج عن العنوان ، انتهی .
والظاهر من کلام الشیخ قدس سره أنّ استصحاب النهار مثلاً لو ثبت به کون الجزء المشکوک نهاراً فلا یبقی إشکال آخر .
ویظهر من کلمات بعض أعاظم العصر علی ما فی تقریراته : أنّه لو فرض ثبوت کون هذا الجزء نهاراً یبقی إشکال آخر أیضاً فإنّ التکلیف إذا تعلّق بالصلاة المقیّدة بالنهار فبإحراز القید ؛ أعنی النهاریة لا یثبت التقیّد والظرفیة ؛ أعنی کون الصلاة المأتیّ بها صلاة فی النهار ، نظیر ما ذکروه فی سائر القیود
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 68
کالطهارة ونحوها من أنّ إحرازها بالاستصحاب لا یثبت به کون الصلاة المأتیّ بها صلاة متقیّدة بالطهارة ، ثمّ قال : فإن کان الزمان قیداً للوجوب ثبت الوجوب بإحرازه ، وأمّا إذا اُخذ قیداً للواجب فلا یکفی الاستصحاب فی إحرازه ولازم ذلک أنّ مستصحب الوقت یجب علیه الصلاة ولکن لا یمکن الاکتفاء بما یأتی به ، انتهی .
وأمّا المحقّق الخراسانی ففصّل بین الحرکة القطعیة والتوسطیة فحکم بجریان الاستصحاب فی الثانی دون الأوّل . هذه ما قیل فی المقام .
وإن شئت تفصیل المقام علی نحو یزول به الأوهام .
فنقول : لا ریب أنّ الظاهر من قوله : «لا تنقض الیقین بالشکّ» کون مورده عبارة عمّا إذا کان هنا یقین فعلی وشکّ فعلی وکان المقام بحیث یکون رفع الید عن مقتضی الیقین الفعلی بالشکّ الفعلی مصداقاً لنقض الیقین بالشکِّ، وحینئذٍ فمن الواضحات أنّ هذا المعنی لا یتصوّر إلاّ فیما إذا کان الشکّ متعلّقاً ببقاء ما تیقّن بثبوته . فما قیل : من أنّ المعتبر فی الاستصحاب هو صدق نقض الیقین بالشکّ لا صدق البقاء ، إن اُرید به أنّ لفظ البقاء لیس فی أخبار الاستصحاب فمسلّم ، وإن اُرید به أنّ مورد الأخبار لا یرجع إلی ما إذا کان الشکّ فی البقاء ، فممنوع .
وبالجملة : فالمعتبر هو کون الشکّ فی البقاء . غایة الأمر : أنّ الملاک هو البقاء بحسب نظر العرف لا العقل .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 69
إذا عرفت هذا ، فنقول : لا فرق فی المستصحب المشکوک فی بقائه بین الاُمور التدریجیة والدفعیة فإنّ التدریجیات بعضها ممّا یصدق علی استمراره البقاء عقلاً وعرفاً کالزمان والحرکة وبعضها ممّا یصدق علی استمراره البقاء عرفاً فقط ، وهو الملاک فی جریان الاستصحاب کالتکلّم مثلاً ، أمّا صدق البقاء علی استمرار مثل الزمان والحرکة بحسب نظر العقل فلما حقّق فی محلّه من أنّ الحرکة ونحوها ما لم یتخلّل بینها السکون موجود واحد شخصی حقیقة ذاته التدرّج فشخص الحرکة التی توجد أوّلاً هی بعینها باقیة إلی زمن تخلّل السکون .
وبعبارة اُخری : الحرکة موجود شخصی مستمرّ ممتدِّ. غایة الأمر : أنّ امتداده تدرّجی طولی لا عرضی کالخطّ ویسمّی هذا الأمر الممتدّ المستمرّ بالحرکة القطعیة ، وما تراه فی بعض الکلمات من کون الحرکة القطعیة امتداداً موهوماً ، وما یکون موجوداً هو الحرکة التوسّطیة ، باطل جداً . فإنّ الحرکة التوسّطیة علی ما عرّفوها لا تدرّج لها ولا امتداد ، مع أنّ حقیقة الحرکة عبارة عن التدرّج والامتداد ، فما هو المتحقّق هو الحرکة القطعیة . وما ذکره صاحب «المنظومة» من کون القطعیة عبارة عن الامتداد الموهومی ، کلام غیر صحیح أیضاً ؛ أخذه من کلام الفخر الرازی فإنّه الذی وقع فی هذا الخلط والاشتباه ، فتذکّر .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 70
وبالجملة : فالحرکة موجود له بقاء بحسب نظر العقل ، وأمّا صدق البقاء علی استمراره بحسب نظر العرف فواضح وکذلک الزمان .
نعم ، ربّما یصدق البقاء بحسب نظر العرف دون العقل فی مثل الحرکة ، کما إذا حرّک الإنسان أصبعه مثلاً یمیناً وشمالاً بالسرعة فإنّه یتخلّل ـ بحسب نظر العرف بین الذهاب والرجوع ـ سکون مّا ، ولکنّ العرف یری مجموع الذهاب والإیاب حرکة واحدة ، کما لا یخفی .
وکیف کان : فالاستصحاب یجری فیما إذا صدق البقاء عرفاً ، سواء صدق بحسب نظر العقل أم لا ، وإنّما الکلام فیما ذکره الشیخ الأعظم والمحقّق النائینی من کون استصحاب النهار مثلاً بالنسبة إلی إحراز قید الواجب مثبتاً .
فنقول : أمّا ما ذکره المحقّق النائینی قدس سره من کونه مثبتاً ، ولو فرض ثبوت کون الزمان المشکوک نهاراً من جهة أنّه لا یثبت به کون الصلاة المأتیّ بها صلاة فی النهار .
ففیه : أنّ هذا لیس مثبتاً وإن توهّموا ذلک فی جمیع قیود الواجبات وإلاّ لم یبق لنا أصل غیر مثبت ، فلو استصحبنا کرّیة ماء مثلاً ، لزم من کلامهم أن لا یکون الغسل به مطهّراً ، إذ لا یثبت به کون الغسل غسلاً فی الکرِّ، مع أنّه من الواضحات عدم صحّة ذلک .
والسرّ فی ذلک : أنّ ما توهّموه واسطة ، لیس موضوعاً خارجیاً ، بل هو من توابع الحکم وقیوده ، فحکم الکرّ أنّ الغسل به مطهّر وحکم النهار والوضوء مثلاً شرطیتهما للصلاة وهکذا ، فتدبّر .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 71
وأمّا ما ذکره الشیخ وتبعه المحقّق النائینی من أنّ استصحاب النهار بنحو الکون التامّ لا یثبت به کون الزمان المشکوک فیه نهاراً .
ففیه : أوّلاً : أنّ استصحاب الزمان بحقیقته یخالف استصحاب الزمانی ، فلو قلت : «زید کان سابقاً فالآن یکون» فمعناه أنّه یکون فی الآن بحیث یکون الآن ظرفاً له ، فیرجع ذلک إلی الظرفیة ، وأمّا إذا قلت : «النهار کان سابقاً فالآن یکون» فلیس معناه أنّ النهار یکون فی الآن بحیث یکون الآن ظرفاً للنهار ، بل معناه أنّ الآن نهار، فیثبت بالاستصحاب ما هو المراد من کون الآن المشکوک نهاراً، فافهم.
وثانیاً : أنّ الواسطة هنا خفیّة قطعاً ، إذ بعد استصحاب النهار لا یشکّ العرف فی حصول قید الواجب إذا کانت النهاریة قیداً له .
وثالثاً : أنّه یمکن أن یستصحب الکون الناقص أیضاً ، فإنّ له حالة سابقة حقیقة بناءً علی ما عرفت من بقاء الزمان بشخصه وإن کان متصرّم الأجزاء .
فنقول : هذا الزمان کان نهاراً فیدوم ، فإنّ هذا الزمان الفعلی هو بعینه نفس الزمان السابق الذی کان نهاراً .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 72