تنبیهات الاستصحاب

تنبیه آخر ‏: حلّیة الأشیاء وطهارتها لا تتوقّف علی جعل شرعی

تنبیه آخر  : حلّیة الأشیاء وطهارتها لا تتوقّف علی جعل شرعی

‏ ‏

‏ثمّ إنّ هاهنا نکتة اُخری یجب أن نـنبّه علیها وإن کان تحقیقها یتوقّف علی‏‎ ‎‏کثرة التـتبّع فی الفقه‏‏  ‏‏، وهی أنّ حلّیة الأشیاء وطهارتها وجواز الانتفاع بها‏‎ ‎‏وجواز استعمالها فی الصلاة لا تتوقّف علی جعل شرعی‏‏  ‏‏، بل الذی یحتاج إلی‏‎ ‎‏الجعل هو حرمة الشیء وقذارته وعدم جواز الانتفاع به واستعماله فی الصلاة‏‎ ‎‏فما لم یکن فی الشیء اقتضاء الاجتناب عنه وجهة حزازة غیر مناسبة للحال‏‎ ‎‏الصلاتی لا یجب علی العبد التجنّب عنه ویجوز له الصلاة فیه‏‏  ‏‏، ولکن لا بحکم‏‎ ‎‏الشارع‏‏  ‏‏، بل بسبب عدم المقتضی للتجنّب‏‏  ‏‏، فالأصل الأوّلی فی الأشیاء هو الحلّیة‏‎ ‎‏والطهارة وجواز استعمالها فی الصلاة وإنّما یحتاج مقابلاتها إلی جعل شرعی‏‏  .‏

‏ألاتری : أنّه لم یرد من الشارع فی باب الصلاة «صلّ فی کذا وکذا وکذا»‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 51
‏وإنّما ورد عنه‏‏  ‏‏: «لا تصلّ فی وبر ما لا یؤکل والنجس والحریر»‏‎[1]‎‏ ونحو ذلک‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏فیعلم من ذلک أنّ جواز الصلاة فی شیء لا یحتاج إلی جعل شرعی وکذلک‏‎ ‎‏الطهارة والحلّیة فالأشیاء قد انغمست فی بحر الطهارة والحلّیة إلاّ ما حرم منها أو‏‎ ‎‏حکم بنجاستها بسبب بعض المقتضیات‏‏  ‏‏، لا أنّها تکون مغموسة فی النجاسة‏‎ ‎‏والحرمة إلاّ ما حکم بحلّیتها وطهارتها‏‏  .‏

‏وأمّا ما یقال‏‏  ‏‏: من کون الأشیاء بتمامها ملکاً لله تعالی‏‏  ‏‏، والأصل یقتضی حرمة‏‎ ‎‏التصرّف فی سلطنة الغیر إلاّ ما خرج بالدلیل وبسبب إجازته فکلام خطابی‏‎ ‎‏لا یثبت به المسألة الفقهیة‏‏  ‏‏. وعلی هذا فما فی کلام الهمدانی والشیخ‏‎ ‎‏الأنصاری من أنّ الشارع جعل التذکیة سبباً للحلّیة والطهارة فإذا شکّ فی‏‎ ‎‏السبب فأصالة عدم تحقّق السبب الشرعی تقتضی عدم المسبّب‏‎[2]‎‏ ‏‏فاسد جدّاً‏‏  .‏

‏فإنّ الحلّیة والطهارة لا تتوقّفان علی تحقّق سبب لهما وإنّما الذی یحتاج إلی‏‎ ‎‏السبب هو الحرمة والنجاسة‏‏  ‏‏، وأثر التذکیة فی الحیوانات هو دفع مقتضی الحرمة‏‎ ‎‏والنجاسة عن التأثیر فیهما لا إیجاد المقتضی للحلّیة والطهارة‏‏  ‏‏، فافهم وتأمّل‏‏  .‏

‏هذا کلّه فیما إذا کان منشأ الشکّ فی التذکیة هو الشکّ فی قابلیة الحیوان‏‎ ‎‏للتذکیة‏‏  ‏‏، سواء کانت الشبهة من جهة الاشتباه المفهومی أم لا‏‏  ‏‏، وأمّا مع الشکّ فی‏‎ ‎‏شرطیة شیء للتذکیة أو مانعیة شیء عنها فأصل عدم الجعل فی بعض الموارد‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 52
‏جارٍ وفی بعضها مثبت ولا یهمّنا البحث فی أطراف الصور الاُخری التی ذکرناها‏‎ ‎‏لأنّ حالها معلومة غالباً‏‏  .‏

‏ ‏

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 53

  • - راجع : علل الشرائع : 342 / 1 ؛ تهذیب الأحکام 2 : 209 / 818 ؛ وسائل الشیعة 4 : 345 ـ 347 ، کتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّی ، الباب 2 ، الحدیث 1 ، 5 و7 .
  • - فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 26 : 198 ـ 199 ؛ مصباح الفقیه 8 : 378 ـ 382 ؛ حاشیة فرائد الاُصول (الفوائد الرضویة) : 388 ـ 391 .