کلام المحقّق الهمدانی رحمه الله وما یرد علیه
ثمّ إنّ لصاحب «مصباح الفقیه» فی المقام کلاماً مفصّلاً ذکره فی آخر الطهارة وفی حاشیته علی «الرسائل» ولا یخلو بعض مواقعه عن النظر ، فالأولی أن نشیر إلیه بنحو الإجمال ، ثمّ نشیر إلی ما یرد علیه .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 47
قال قدس سره بعد ما اختار جریان أصالة عدم التذکیة ما حاصله : أنّه لقائل أن یقول : أنّه لا یثبت بهذا الأصل کون اللحم غیر مذکّی حتّی یحکم بحرمته ونجاسته . . . فمقتضی القاعدة التفکیک بین الآثار ، فما کان منها مترتّباً علی عدم کون اللحم مذکّی کعدم حلیّـته وعدم جواز الصلاة فیه وعدم طهارته وغیر ذلک من الأحکام العدمیة المنتزعة من الوجودیات التی تکون التذکیة شرطاً فی ثبوتها ، ترتّب علیه . . . وأمّا الآثار المترتّبة علی کونه غیر مذکّی کالأحکام الوجودیة الملازمة لهذه العدمیات کحرمة أکله ونجاسته وتنجیس ملاقیه وحرمة الانتفاع به ، فلا . . . .
إن قلت : لا یمکن التفکیک بین عدم الحلّیة والطهارة وبین ما یلازمهما من الحرمة والنجاسة لا لمجرّد الملازمة العقلیة . . . بل لقوله : «کلّ شیء لک حلال . . .» و «کلّ شیء نظیف . . .» . والمفروض أنّه لم یحرز قذارته وحرمته بأصالة عدم التذکیة حتّی یقال بحکومتها علی أصالتی الحلّ والطهارة ، فالقول بأنّ هذا شیء لم یعلم حرمته ونجاسته ولکنّه لیس بحلال ولا طاهر مناقض للخبرین .
قلت : الشیء المأخوذ موضوعاً للحکمین هو الشیء المشکوک الحلّیة والطهارة ، لا المقطوع بعدمهما . . . وحیث ألغی الشارع احتمال الحلّیة والطهارة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 48
ونزّله منزلة العدم بواسطة أصالة عدم التذکیة خرج المفروض من موضوع الأصلین حکماً ، فکما أنّ استصحاب نجاسة شیء حاکم علی قاعدة الطهارة ، کذلک استصحاب عدم طهارته أیضاً حاکم علیها وکذلک الأصل الموضوعی الذی یترتّب علیه هذا الأمر العدمی .
لا یقال : إنّ مقتضی عدم القول بالأصل المثبت عدم ترتیب الأحکام السلبیة أیضاً لأنّ ترتیب تلک الأحکام علی اللحم الخاصّ موقوف علی إحراز عدم کون هذا اللحم مذکّی ، ولا یحرز ذلک بأصالة عدم التذکیة لأنّه إن أرید بها استصحاب العدم الأزلی المجامع لحیاة الحیوان وموته فلیس من آثارها عدم طهارة هذا اللحم ولا عدم حلّیته ، فإنّ هذا العدم کان حاصلاً حال حیاة اللحم ولم یکن له شیء من الأثرین ، أمّا الأوّل فواضح . . . وأمّا الثانی فلعدم صلاحیة الحیوان الحیّ غالباً للأکل حتّی یصحّ اتّصافه بالحلّیة ، وأمّا ما کان صالحاً لأن یبتلع حیّاً فالحکم بحرمة ابتلاعه کذلک لکونه فاقداً للتذکیة یحتاج إلی مزید تتبّع وتأمّل .
والحاصل : أنّ الحکمین العدمیـین لیسا من آثار مطلق عدم التذکیة ، بل من آثار قسم خاصّ وهو : العدم المقارن لزهاق الروح وهذه الخصوصیة لا تثبت باستصحاب العدم الأزلی .
وإن اُرید بها أصالة عدم اقتران زهاق روحه بشرائط التذکیة ، فهذا من قبیل تعیـین الحادث بالأصل ، لیس له حالة سابقة .
لأنّا نقول : انتفاء المسبّب من آثار عدم حدوث سببه لا من آثار عدم سببیة الشیء الخاصّ فعدم حلّیة اللحم الذی زهق روحه من آثار عدم حدوث ما یؤثّر
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 49
فی حلّیته بعد الموت أی الموت المقرون بالشرائط وهذا المعنی المرکّب شیء حادث مسبوق بالعدم لا من آثار کون الموت فاقداً للشرط حتّی لا یمکن إحرازه بالأصل فلو بیع شیء بعقد یشکّ فی صحّته یحکم بعدم انتقال المبیع إلی المشتری ؛ لأصالة عدم صدور عقد صحیح مؤثّر فی النقل لا لأصالة عدم کون العقد الصادر صحیحاً . . . .
والحاصل : أنّ ترتیب الأحکام الوجودیة الثابتة لعنوان المیتة أو غیر المذکّی علی أصالة عدم التذکیة فی غایة الإشکال .
اللهمّ إلاّ أن یدّعی خفاء الواسطة وأنّ العرف بمجرّد جریان أصالة عدم التذکیـة یرتّبون علی الشیء الذی یشکّ فی تذکیته آثارَ کونه غیر مذکّی ، انتهی کلامه .
أقول : لا یخفی أنّ استصحاب عدم تحقّق السبب الشرعی لحکم خاصّ یترتّب علیه عدم حکم الشارع بترتّب هذا الحکم لا حکمه بعدم ترتّبه ، فالتذکیة التی هی موضوع للحلّیة والطهارة وسبب شرعی لهما إذا استصحبنا عدمها بمقتضی قوله : «لا تنقض» یترتّب علی ذلک عدم تحقّق الحلّیة والطهارة المستندتین إلیها لا حکم الشارع بعدمهما .
وبعبارة اُخری : لیس للشارع فی باب الاستصحابات التی تکون مفادها نفی الموضوعات ، حکم بعدم الأحکام المترتّبة علی هذه الموضوعات ، بل یکون المترتّب علی استصحاب عدم الموضوع عدم ، الحکم المترتّب علی ثبوته . ألا تری أنّ الموضوعات المعدومة فی الأزل لا یمکن أن یقال بکونها محکومة
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 50
من الأزل بعدم ثبوت الأحکام لها ، بل الذی یصحّ أن یقال هو عدم محکومیتها بالأحکام الثبوتیة المترتّبة علیها .
وعلی هذا ، یترتّب علی ما ذکرنا أنّ استصحاب عدم التذکیة لا ینافی التمسّک بقاعدتی الحلّ والطهارة ما لم یثبت به موضوع الحرمة والنجاسة فإنّ استصحاب عدم التذکیة المتحقّق من الأزل یثبت به عدم تحقّق موضوع حکم الشارع بالحلّیة والطهارة لا حکمه بعدم الحلّیة والطهارة حتّی ینافی حکمه بحسب دلیل آخر بالحلّیة والطهارة .
وبعبارة ثالثة : لا یترتّب علی نفس عدم الموضوع أثر شرعی وإنّما یجری الاستصحاب فیه بلحاظ الحکم الثبوتی المترتّب علی ثبوته .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 51