حصیلة التحقیق فی المقام
وقد تحصّل لک ممّا ذکرنا : أنّ استصحاب عدم قابلیة الحیوان للتذکیة ممّا لا محصّل له إذا اُشیر إلی الحیوان الموجود الذی هو الموضوع للحکم فإنّ هذا الحیوان لم یکن قبل وجوده حیواناً لا أنّه کان حیواناً ولم یکن قابلاً للتذکیة .
نعم ، للسالبة البسیطة والسالبة المرکّبة الأعمّ من وجود الموضوع حالة سابقة ولکن استصحابهما لا یثبت الموضوع فاستصحاب عدم قابلیة الحیوان کاستصحاب عدم القرشیة فی المرأة ممّا لا أساس له .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 38
ثمّ إنّه علی فرض جریان هذا الاستصحاب فی حدّ نفسه ، فهل یغنی عن استصحاب عدم التذکیة إذا کان الشکّ فیها ناشئاً عن الشکّ فی القابلیة . بتقریب : أنّ الأصل السببی یکون مغنیاً عن الأصل المسبّبی بل یکون حاکماً علیه ، أو لا یغنی عنه أو یفصل بین الوجوه المتصوّرة فی معنی التذکیة .
ربّما یقال : إنّ التذکیة لو کانت مرکّبة عن الاُمور الستّة المذکورة التی منها القابلیة من غیر أن یلحظ بینها تقیـید ووحدة ، فاستصحاب عدم القابلیة یجری واستصحاب عدم التذکیة لا مجال له ، ولو فرض عدم جریان استصحاب عدم القابلیة فإنّ الفرض أنّها اُمور متشتّتة ، فیجب أن یلاحظ الحالة السابقة فی کلّ منها برأسه ، ولیس فی البین أمر وحدانی یکون مسمّی بالتذکیة حتّی یلاحظ الحالة السابقة له . وأمّا لو فرض کونها أمراً بسیطاً أو مرکّباً تقیـیدیاً فاستصحاب عدم التذکیة یجری ولا یغنی عنه استصحاب عدم القابلیة وإن کان الشکّ فیها ناشئاً عن الشکّ فی القابلیة فإنّ الأصل السببی یغنی عن المسبّبی إذا کان المسبّب وترتّبه علی السبب شرعیان وهاهنا لیس کذلک ، هذا .
ولکنّه یمکن أن یقال : إنّ التذکیة لیست من الاُمور الواقعیة ، بل هی من الاُمور التی اعتبرها الشارع وجعلها موضوعاً لأحکام معلومة وحینئذٍ فلو فرض بساطتها أیضاً أمکن إثباتها بإثبات محصّلاتها فإنّ الشارع إذا قال : «إنّ المحصّل لهذا الأمر البسیط هذه الاُمور الستّة» فلا ینبغی الإشکال فی أنّ إحراز هذه الاُمور ولو بالأصل یکفی فی إحرازه فإنّ الفرض أنّ هذا الأمر البسیط وترتّبه علی هذه الاُمور الستّة کلاهما شرعیان ، بل لنا أن نقول : إنّ القابلیة أیضاً من الأحکام الشرعیة لا من الاُمور النفس الأمریة فإنّه لا معنی لقابلیة الحیوان
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 39
الخاصّ للتذکیة إلاّ حکم الشارع بتأثیر الاُمور الخمسة الواقعة علیه فی ترتّب الأحکام علیه فالقابلیة من الأحکام الوضعیة المجعولة إمّا بنفسها أو بمنشأ انتزاعها ، فتدبّر .
هذا إذا قیل بجریان أصالة عدم القابلیة . وأمّا إذا قیل بعدم جریانها فالمرجع أصالة عدم التذکیة .
والتحقیق فیها : أنّ التذکیة لو کانت مرکّباً خارجیاً عن الاُمور الستّة فأصالة عدمها غیر جاریة بعد وقوع الاُمور الخمسة علی حیوان شکّ فی قابلیته لعدم جریان الأصل فی القابلیة والتذکیة وإن کانت مسبوقة بالعدم لکنّها عبارة عن نفس الاُمور الستّة والفرض حصول خمسة منها ، والقابلیة أیضاً لا یجری فیها الأصل فحینئذٍ یکون المرجع أصالة الحلّ والطهارة ، وأمّا إذا قیل بکون التذکیة أمراً بسیطاً محضاً أو بسیطاً مقیّداً أو مرکّباً تقیـیدیاً فأصالة عدم التذکیة جاریة مع الغضّ عن الإشکال الآتی المشترک الورود ، أمّا إذا کانت أمراً بسیطاً متحصّلاً من الاُمور الخارجیة فواضح لأنّه مسبوق بالعدم قبل تحقّق هذه الاُمور فیستصحب واختلاف منشأ الشکّ والیقین لا یضرّ به . وکذلک إذا کانت أمراً بسیطاً منتزعاً ، لأنّ هذا الأمر الانتزاعی الموضوع للحکم وإن کان علی فرض وجوده یتحقّق بعین منشأ انتزاعه لکنّه مسبوق بالعدم . وأمّا إذا کانت أمراً مرکّباً تقیـیدیاً ، سواء کانت بسیطة متحصّلة أو منتزعة من الاُمور الخمسة متقیّدة بقابلیة المحلّ أو مرکّبة منها ومتقیّدة بالقابلیة فجریان أصالة عدم التذکیة أیضاً لا مانع عنه فإنّ المتقیّد بما هو متقیّد مسبوق بالعدم ومشکوک تحقّقه .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 40