تنبیهات الاستصحاب

مناط الصدق والکذب فی القضایا

مناط الصدق والکذب فی القضایا

‏ ‏

‏فإن قلت‏‏  ‏‏: فما الملاک فی صدق القضایا وکذبها ؟‏

‏قلت‏‏  ‏‏: الملاک فی الصدق والکذب مطابقة مضمون القضیّة لنفس الأمر‏‏  ‏‏؛ أعنی‏‎ ‎‏به صفحة الوجود من أوّله إلی آخره فإذا لوحظ نظام الوجود من بدایته إلی‏‎ ‎‏نهایته فإن کان مفاد القضیّة مخالفاً له کان کاذباً وإلاّ کان صادقاً مثلاً قولنا‏‏  ‏‏: «الله ‏‎ ‎‏موجود» و«زید موجود» و«السماء فوقنا»‏‏  ‏‏، قضایا صادقة لا من جهة أنّ بین زید‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 29
‏مثلاً والوجود بحسب الخارج نسبة‏‏  ‏‏، بل من جهة أنّ قولنا‏‏  ‏‏: «زید موجود»‏‎ ‎‏یکون مفاده تحقّق زید فی الخارج فإذا لاحظنا صفحة الخارج ورأینا فی مرتبة‏‎ ‎‏من مراتبه تحقّق زید‏‏  ‏‏، علمنا أنّ القضیّة صادقة‏‏  ‏‏، وقولنا‏‏  ‏‏: «السماء فوقنا» یکون‏‎ ‎‏مفاده فوقیة السماء بالنسبة إلینا فإذا لاحظنا الخارج ورأینا أنّ السماء فی‏‎ ‎‏الخارج کذلک‏‏  ‏‏، علمنا أنّ القضیّة صادقة وکذلک قولنا‏‏  ‏‏: «العنقاء لیس بموجود»‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏و«الفحم لیس بأبیض»‏‏  ‏‏، قضیتان صادقتان من جهة أنّ مفاد الاُولی عدم‏‎ ‎‏شاغلیة العنقاء لمرتبة من مراتب الخارج‏‏  ‏‏، فإذا نظرنا إلی صفحة الخارج من‏‎ ‎‏بدایته إلی آخره ولم نرَ فیها العنقاء‏‏  ‏‏، حکمنا بکون القضیّة صادقة‏‏  ‏‏. ولیس المراد‏‎ ‎‏بمطابقتها لنفس الأمر‏‏  ‏‏، وجود عدمه فی الخارج بنحو الإیجاب العدولی‏‏  ‏‏، بل‏‎ ‎‏المراد بها عدم العنقاء بنحو السلب البسیط فی مرتبة من المراتب فإنّه مفاد هذه‏‎ ‎‏القضیّة‏‏  .‏

وبالجملة‏  :‏‏ فلیس الملاک فی الصدق مطلقاً مطابقة القضیّة للنسبة الخارجیة‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏إذ لیس فی کثیر من القضایا نسبة خارجیة‏‏  ‏‏، بل الملاک فی الصدق مطابقة‏‎ ‎‏مضمونها لنفس الأمر بعد مقایسة هذا المضمون إلی صفحة نظام الوجود من مبدأ‏‎ ‎‏المبادئ إلی أنزل المراتب‏‏  .‏

‏فإن قلت‏‏  ‏‏: إذا کان الملاک للصدق‏‏  ‏‏، مطابقة مضمون القضیّة لصفحة نفس الأمر‏‎ ‎‏فما تقول فی مثل قولنا‏‏  ‏‏: «شریک البارئ ممتنع»‏‏  ‏‏، و«اجتماع النقیضین محال»‏‎ ‎‏ونحوهما من القضایا التی لا یعقل تحقّق مضامینها فی الخارج ؟‏

‏قلت‏‏  ‏‏: هذه القضایا ترجع حقیقة إلی قضایا سالبة‏‏  ‏‏، وإن کانت بصورة الإیجاب‏‎ ‎‏ظاهراً فمعنی قولنا‏‏  ‏‏: «شریک البارئ ممتنع» أنّ شریک البارئ لیس بموجود‏‎ ‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 30
‏بالضرورة‏‏  ‏‏، وحینئذٍ فإذا تفحّصنا نظام الوجود ولم نر فیه ما یکون مصداقاً لشریک‏‎ ‎‏البارئ حکمنا بصدق القضیّة‏‏  ‏‏، فتأمّل‏‏  .‏‎[1]‎


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 31

‏ثمّ إنّ السالبة المرکّبة ربّما تکون بسلب المحمول فقط وربّما تکون بسلب‏‎ ‎‏المحمول والموضوع معاً‏‏  ‏‏، لما عرفت من أنّها لا تشتمل علی النسبة حتّی یقال‏‎ ‎‏باحتیاجها إلی تحقّق الموضوع فی الخارج‏‏  ‏‏، بل یکون مفادها عدم الانتساب بین‏‎ ‎‏الموضوع والمحمول وذلک کما یصدق بسلب المحمول فقط یصدق بسلبهما معاً‏‎ ‎‏ولکن لا بأن یکون فی الخارج عدمان ممتازان یکون أحدهما عدماً للموضوع‏‎ ‎‏والآخر عدماً للمحمول وسلباً له عنه‏‏  ‏‏، بل هذه القضیّة صرف اختراع من الذهن‏‎ ‎‏وتوهّم الواهمة منشؤه إدراک البطلان للموضوع بصورة ذهنیة وإدراک البطلان‏‎ ‎‏للمحمول بصورة اُخری‏‏  ‏‏، ثمّ یحکم بعد ذلک بعدم النسبة بینهما‏‏  ‏‏، وأمّا فیما إذا‏‎ ‎‏وجد الموضوع فالحکم بعدم ثبوت المحمول له لیس بصرف توهّم الواهمة فإنّ‏‎ ‎‏الفرض أنّ الموضوع له واقعیة وهو فی ظرف تحقّقه غیر متّصف بالمحمول‏‎ ‎‏فیکون القضیّة حینئذٍ من القضایا العقلائیة العرفیة‏‏  ‏‏، والسالبة بانتفاء الموضوع‏‎ ‎‏أیضاً وإن کانت صادقة بحسب الدقّة العقلیة ولکنّها لیست منشأ للآثار عند‏‎ ‎‏العقلاء لعدم اعتبارهم لها کما لا یخفی‏‏  .‏

‏إذا عرفت مفاد القضایا بمقدار یناسب هذا المقام‏‏  ‏‏، فنقول‏‏  :‏

 

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 32

  • - ولقائل أن یقول : إنّه لا وجه لإرجاعها إلی السوالب ، بل قولنا : «شریک البارئ ممتنع» مثلاً قضیّة موجبة یکون مفادها تحقّق الامتناع لهذا المفهوم ولکن تحقّق کلّ شیء  بحسبه ولا ریب أنّ الامتناع وقسیمیه من الاعتبارات والأحکام العقلیة لا من العوارض  الخارجیة فتحقّقها إنّما یکون باعتبار العقل إیّاها والعقل واعتباراته أیضاً مرتبة من  مراتب نظام الوجود فهذه القضیّة صادقة من جهة تحقّق مضمونها ؛ أعنی الامتناع فی هذه  المرتبة من مراتب نفس الأمر .     فإن قلت : لو کانت هذه القضایا موجبة لاحتاجت فی صدقها إلی وجود الموضوع لما  ثبت فی محلّه من احتیاج الموجبة إلی وجود الموضوع .     قلت : الحکم فی هذه القضایا علی الموضوعات المفروضة فی الخارج لا علی نحو  فرض الموضوع فی القضایا الحقیقیة فإنّ الحکم فی القضیّة الحقیقیة علی الموضوع بعد  فرض وجوده بحیث یکون المحمول ثابتاً للموضوع الموجود خارجاً وأمّا فی مثل قولنا :  «شریک البارئ ممتنع» ، وقولنا : «اجتماع النقیضین محال» ، وقولنا : «المعدوم المطلق لا  یخبر عنه» فالمحمول لیس ثابتاً للموضوع الموجود ، بل یکون ثابتاً لما یکون قوامه  بفرض الفارض ودعابة الواهمة فإنّ الواهمة لکمال شیطنتها ربّما یفرض فی الخارج ما  یکون حقیقة ذاته البطلان أو ما یکون حقیقة ذاته اجتماع النقیضین فمعنی قولنا :  «شریک البارئ ممتنع» أنّ البطلان المحض الذی یتوهّمه الواهمة فی الخارج ویتخیّل  کونه مصداقاً لشریک البارئ معدوم فی الخارج لا أنّ شریک البارئ بفرض وجوده فی  الخارج معدوم حتّی یکون قضیّة حقیقیة ، إذ هو بعد تلبّسه بلباس الوجود لا یتّصف  بالعدم وکذلک قولنا : «المعدوم المطلق کذا» معناه : أنّ الباطل الصرف الذی یتوهّمه  الواهمة فی الخارج فی قبال صفحة الوجود ویتخیّل کونه معدوماً مطلقاً بالحمل الشایع  یتّصف فی نفس الأمر بکذا وقد سمّی هذه القضایا فی محلّه بالقضایا الغیر البتّیّة ، فتدبّر .  [ المقرّر حفظه الله ]