سورة البقرة

البحث الثانی : حول الإیمان الثابت وعمومیّة الحرکة

‏ ‏

‏ ‏

البحث الثانی

‏ ‏

حول الإیمان الثابت وعمومیّة الحرکة

‏ ‏

‏هذه الـکریمـة الـشریفـة فی موقف مدح الـمتّقین، ولایکون الإیمان‏‎ ‎‏بالغیب مدحاً إلاّ إذا کان باقیاً ثابتاً، والإیمان الـحادث آناً مّا، والـزائل بعد ذلک‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 452
‏لایُعَدّ من الـنعوت الـحسنـة، بل هو مذموم، ویکون من الإیمان الـمستودع أو‏‎ ‎‏أسوأ حالاً منـه، فتکون الآیـة مُشعِرة بأنّ الإیمان والاعتقاد الـجازم‏‎ ‎‏والـتصدیق بالغیب والـعلم بـه وعقد الـقلب علیـه، من الاُمور الـقابلـة لـلبقاء‏‎ ‎‏وتصلح لأن تبقیٰ، مع أنّ قضیّـة عموم الـتبدّل والـتغیّر والـحرکـة یضادّ ذلک‏‎ ‎‏ویمانعـه. والـدلیل علیٰ عموم الـحرکـة والـتبدّلات موکول إلـیٰ محلّـه‏‎[1]‎‏.‏

وإجماله:‏ أنّ الأشیاء الـمادّیّـة والـصور الـمنطبعـة فی الـموادّ دائمـة‏‎ ‎‏الـتدرّج إلـیٰ الـکمال ودائمـة الـخروج من الـنقص والـقوّة إلـیٰ الـفعلیّـة،‏‎ ‎‏والـعلم إن کان مادّیّاً ـ کما علیـه الـمادّیّون ـ فهو من جملـة الـعالَم الـخارج‏‎ ‎‏علیٰ الـدوام من الـهیولیٰ إلـیٰ الـصورة، وإن کان من الـمجرّد فهو لـیس من‏‎ ‎‏الـمجرّدات الـمفارقـة الـمحضـة، بل هو من الـمتعلّقات بالمادّة والـصورة‏‎ ‎‏الـمنطبعـة، فتسری إلـیها الـحرکـة، ویکون مقتضیٰ برهان الـحرکـة‏‎ ‎‏الـجوهریّـة، خروج کلّ شیء من هذه الاُمور ـ إمّا بالذات أو بالتبع ـ من الـقوّة‏‎ ‎‏إلـیٰ الـفعلیّـة، ومن الأشیاء الـمتدرّجـة إلـیٰ الـکمال هی الـنفوس‏‎ ‎‏الـمتعلّقـة بالأبدان، فإنّها دائمـة الـحرکـة ، وحرکاتها طبعیّـة ذاتیّـة، ویتبعها‏‎ ‎‏فی الـحرکـة سائر أوصافها وکمالاتها من الـصور الـعلمیّـة وغیرها.‏

‏فالإیمان بالغیب ـ وهو الـعلم بـه علماً راسخاً فی الـقلب ـ دائم‏‎ ‎‏الـتحرّک والـتبدّل، فکیف هو یبقیٰ حتّیٰ یصحّ الـمدح علیـه؟!‏

أقول:‏ الـبحث بالتفصیل حول هذه الـمسائل یأتی فی الـمواضع الاُخر ـ‏‎ ‎‏إن شاء اللّٰه تعالیٰ ـ والـذی هو الـلاّزم الإشارة إلـیـه هو أنّ الـنفس وأوصافها‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 453
‏من الـمجرّدات، وأنّ الـحرکـة الـذاتیّـة الـطبعیّـة الاستکمالیّـة، توجب‏‎ ‎‏اشتداد الإیمان والـعلم من غیر انثلام وحدة الـنفس وتوابعها، فکما أنّها بذاتها‏‎ ‎‏متحرّکـة وباقیـة، کذلک توابعها، فالمدح علیـه صحیح. نعم یثبت بذلک درجات‏‎ ‎‏الإیمان ومراتبه، وأنّ الإیمان ذو حصص کثیرة غیر متناهیـة بالقوّة تبعاً لحصص‏‎ ‎‏الـحرکـة، وسیظهر فی محلّـه توضیح مراتبـه الأصلیّـة إن شاء اللّٰه تعالیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 454

  • )) راجع الأسفار 3 : 61 ـ 67 و104 ـ 114 .