البحث الأوّل : حول استناد الجزاف إلیه تعالیٰ

‏‏البحث الأوّل‏

‏‏ ‏

‏‏حـول استناد الجزاف إلیه تعالیٰ‏

‏‏ ‏

‏‏اعلم‏‏: أنّ هذه الآیـة تومئ وتشعر بأنّ الـجُزاف لـیس مستنداً الـیـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ، وأنّ الـعالَم بأجمعـه ـ الـمتشکّل من سلاسل الـعلل والـمعالیل ـ کلّـه‏‎ ‎‏مبنیّ علیٰ الاستعدادات الـخاصّـة والـقُویٰ والـحرکات الـغریزیـة‏‎ ‎‏والـطبـیعیـة، وأنّـه تعالـیٰ لایخص أحداً بخاصّـة وبإرادة مخصوصـة، ولا‏‎ ‎‏قومیـة بینـه تعالـیٰ وبین خلقـه، وإن حصلت الـقومیـة فهی من اجتهاد‏‎ ‎‏الـکمّلین الـمتکفّلین لـها الـمتوجّهین الـیـه تعالـیٰ بأنحائـه؛ وذلک لأنّـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ کما فیما مرّ من قولـه:‏‏«‏‏فی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ الله ُ مَرَضاً‏‏»‏‏ یقول هنا‏‎ ‎‏أیضاً:‏‏«‏‏وَیَمُدُّهُمْ فِی طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُونَ‏‏»‏‏فیستند الـطغیان الـیهم أوّلاً‏‎ ‎‏وبالـحقیقـة، وإذا طغوا باختیار سوء الأمر فیتحرّکون نحو الـشقاوة حسب‏‎ ‎‏استعدادهم الـمتحصّل بسوء فعالـهم ولا معنیٰ لـمدّه تعالـیٰ إلاّ بأنّـه تعالـیٰ‏
‏‎

‏‏فما هو إمداده الـغیـبی لـیس إلاّ تردّدهم مع شیاطینهم، فإنّ هذا الـتردّد‏‎ ‎‏والـحرکـة لـها الـصورة الـمفاضـة من الـغیب، ولها الـعلّـة الـقریبـة، وهی‏‎ ‎‏إرادة الـمنافق، فإذا أراد الـتردّد الـمتقوّیٰ بـه فقد أمدّه الله تعالـیٰ فی طغیانـه؛‏‎ ‎‏لأنّ تلک الـصورة تحصل حسب الـعلل والـمعالـیل فی مادّتهم الـنفاقیـة.‏‎ ‎‏خذلهم الله تعالـیٰ فی الـدارین.‏

‏‎ ‎

‏‎