سورة البقرة

الوجه الثانی : حول نسبة الاستهزاء بصیغة الاستقبال

الوجه الثانی

‏ ‏

حـول نسبة الاستهزاء بصیغة الاستقبال

‏ ‏

‏فی الـعدول عن الإتیان بصیغـة اسم الـفاعل الـیٰ الإتیان بصیغـة‏‎ ‎‏الـمستقبل، مع أنّ الأنسب خلافـه؛ لـقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ‏»‏‎ ‎‏إشعار بأنّ الاستهزاء من الـصفات الـذاتیـة لـهؤلاء الـناس، ومن ملکاتهم‏‎ ‎‏الـخبـیثـة وسجیّـاتهم الـفاسدة؛ بحیث صارت ذواتهم منشأ لـذلک، وأمّا‏‎ ‎‏استهزاؤه تعالـیٰ فهو من صفات الـفعل الـمتجلّی فی الـرتبـة الـمتأخّرة، فلا‏‎ ‎‏یصحّ حملـه علیـه تعالـیٰ وانتزاعـه منـه.‏

‏وبأنّ الـیهود وأمثالـهم یتمکّنون من أن یتوهّموا أنّ الله تعالـیٰ لـم‏‎ ‎‏یستهزئ بهم بل یرید الاستهزاء فی الـمستقبل، فلو أرادوا الـرجوع الـیٰ‏‎ ‎‏الإسلام فلا ینسدّ علیهم بابـه وسبـیلـه وطریقـه.‏

‏ومن هنا یظهر الـنکتـة فی قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏یَمُدُّهُمْ‏»‏‏، فإنّـه لـیس دلیلاً‏‎ ‎‏علیٰ وقوع الاستهزاء والإمداد والـمدد، کما سیأتی توضیحـه.‏

‏وبأنّ الـمسلمین یظنّون أنّ الاستهزاء من الـناحیـة الـمقدّسـة متدرّجـة‏‎ ‎‏وباقیـة، ولا یزال ویمتدّ الـیٰ أن ینسلکوا فی الأسلاک الإنسانیـة والإسلامیـة.‏

‏وهذا من عجیب الـکلام، فإنّ کلّ واحد من الـفریقین یتمکّن من تأیید‏‎ ‎‏مقصوده بها علیٰ وجـه لا یستلزم الـخلل والـنقاش فی آمالـه ومیولـه.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 530