سورة البقرة

النقطة السادسة : بعض النکات حول «وَمِمّٰا رَزَقْناهُم یُنفِقُونَ»

‏ ‏

النقطة السادسة

‏ ‏

بعض النکات حول ‏«‏‏وَمِمّٰا رَزَقْناهُم یُنفِقُونَ‏‏»‏

‏ ‏

‏تقدیم الـظرف فی قولـه: ‏‏«‏وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ‏»‏‏ إمّا لأجل الاهتمام‏‎ ‎‏بـه، أو لأجل مراعاة رؤوس الآی، أو لأجل إفادة الـحصر، فلایُنفِقون ممّا رزقنا‏‎ ‎‏غیرهم؛ إن کان الـرزق لـلمعنیٰ الأعمّ، وإلاّ فلو کان معنیٰ الـرزق الـواصل‏‎ ‎‏إلـیٰ الـمرزوق، فلایمکن إنفاق ما رزقناهم وما رزقنا غیرهم، فإذاً لـزم‏‎ ‎‏الـمجازیّـة، فلا منع من الالتزام بالمعنیٰ الـعامّ، فلْیتأمّل.‏

‏ومن الـعجیب توهّم: أنّ هذه الآیـة منسوخـة بآیـة الـزکاة؛ لأنّ غیرها‏‎ ‎‏ممّا لایلزم إنفاقـه‏‎[1]‎‏، وسیظهر أنّها لاتفید إلاّ الـمدح علیٰ الإنفاق.‏

‏ثمّ إنّ الإنفاق الـمتعدّی بنفسـه أو بغیر «من» إذا تعدّیٰ بـ «من»، فهو‏‎ ‎‏لـیس إلاّ لإفادة الـتبعیض، ففی الإتیان بالجارّ إفادة لـعدم لـزوم الـتقتیر علیٰ‏‎ ‎‏أنفسهم، ‏‏«‏وَلاَتَبْسُطْهَا کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومَاً مَحْسُوراً‏»‏‎[2]‎‏ بل أبسطها علیٰ‏‎ ‎‏حدّ محدود وقدر خاصّ.‏

‏ثمّ إنّ حقیقـة الـرزق ـ حسب ما عرفت ـ أعمّ من الأرزاق الـمادّیّـة‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 434
‏الـراجعـة إلـیٰ الـمأکل والـمشرب والـمنکح والـملبس، بل یعمّ الأرزاق‏‎ ‎‏الـمعنویّـة والـروحانیّـة، فینفقون من علومهم الـدراسیّـة والـتجریبیّـة، ومن‏‎ ‎‏الـمعارف والـمکاشفات الـقرآنیـة والـعرفانیّـة، وأیضاً هو الأعمّ من الـمال‏‎ ‎‏والـولد، فینفقون فی سبیل اللّٰه أموالـهم وأولادهم وعلومهم ومعارفهم وهممهم‏‎ ‎‏وأفکارهم وغیر ذلک، ویصحّ ـ علیٰ تعبیر ـ إنفاق أنفسهم؛ لأنّ الـوجود من‏‎ ‎‏الـرزق ومن الـنعم الإلهیّـة.‏

‏فما عن ابن عبّاس: بأنّـه الـزکاة الـمفروضـة‏‎[3]‎‏، وعن ابن مسعود: أنّها‏‎ ‎‏نفقـة الـرجل علیٰ أهلـه؛ لأنّ الآیـة نزلت قبل وجوب الـزکاة‏‎[4]‎‏، وعن‏‎ ‎‏الـضحّاک: هو الـتطوّع بالنفقـة فیما قرّب من اللّٰه تعالیٰ‏‎[5]‎‏، فکلّـه خالٍ عن‏‎ ‎‏الـتحصیل؛ لـعدم الـدلیل . فعلیٰ ما تقرّر ثبت عموم الآیـة من جهاتٍ شتّیٰ:‏

الاُولیٰ:‏ من جهـة أنّ الـمؤمن بالغیب والـمُقیم لـلصلاة والـمُنفِق أعمّ،‏‎ ‎‏ویشمل الـصبیان والـممیّزین والـمراهقین.‏

الثانیة:‏ أنّ الـرزق أعمّ من الأرزاق الـمادّیّـة.‏

الثالثة:‏ الإنفاق یکون أعمّ من کونـه بنحو الـمباشرة والـتوکیل‏‎ ‎‏والإیصاء، ولعلّ قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَ أَحَدَکُمُ‎ ‎الْمَوْتُ‏»‏‎[6]‎‏ ناظر إلـیٰ الـوصیّـة بالإنفاق.‏

الرابعة:‏ أنّ الـمُنفَق علیـه أعمّ من الـجهات والأشخاص والـمؤمنین‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 435
‏والـکفّار، وأعمّ من الـتملیک والإیقاف.‏

‏ ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 436

  • )) راجع الإتقان فی علوم القرآن 3 : 71، والدّر المنثور 1 : 27 .
  • )) الإسراء (17) : 29 .
  • )) راجع مجمع البیان 1 : 39، والدّر المنثور 1 : 27 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) نفس المصدر .
  • )) المنافقون (63) : 10 .