سورة البقرة

المسألة الثامنة : حول کلمة «ینفقون»

المسألة الثامنة

‏ ‏

حول کلمة «ینفقون»

‏ ‏

‏«أنفق» لازم ومتعدّ یقال: أنفق إذا افتقر وذهب مالـه وفنی ونفد، ومنـه‏‎ ‎‏قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏إِذاً لَأَمْسَکْتُمْ خَشْیَةَ الإنْفَاقِ‏»‏‏ أی خشیـة الـنفاد والـفناء، وأنفق‏‎ ‎‏مالـه: أنفده وأفناه‏‎[1]‎‏. انتهیٰ ما علیـه أهل الـلّغـة.‏

وقیل:‏ أصل هذه الـمادّة تدلّ علیٰ الـخروج والـذهاب، ومنـه الـنافق‏‎ ‎‏والـنافقاء‏‎[2]‎‏. انتهیٰ.‏

أقول:‏ الـکلام هنا فی مفاد «الإنفاق» مادّة وهیئةً:‏

‏أمّا بحسب الـمادّة: فهو إفناء الـمال وإنفاده فی محلّ ینبغی ویلیق، وفی‏‎ ‎‏مورد یستحسن عرفاً، ولیس مساوقاً لـقولـه: ضیّعـه وبذّره تبذیراً.‏

‏فما فی کتب الـلّغـة خلاف ماهو الـمتبادر منـه جدّاً، فلایقال لـمن ألقیٰ‏‎ ‎‏مالـه فی الـبحر: أنّـه أنفقـه مع صدق قولهم: أنفده وأفناه، ولایلزم أن یکون‏‎ ‎‏الـمورد ممّا یستحسنـه الـشرع؛ لـشهادة قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏اَلَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 413
رِئَاءَ النَّاسِ‏»‏‎[3]‎‏.‏

‏وأمّا بحسب الـهیئـة: فما یتراءیٰ من کلماتهم أنّها بین الـلاّزم‏‎ ‎‏والـمتعدّی بالهمزة، ولایتعدّیٰ بغیرها، ولایصحّ قولنا: یَنفُق من مالـه، فلایصحّ‏‎ ‎‏«ممّا رزقناهم یَنْفُقون» حسب الـلغـة وما یُستظهر منها، فراجع وتدبّر.‏

‏ولو کان «الإنفاق» من «نفق» بمعنیٰ خرج، ومنـه قولهم: نفق الـبیع؛ أی‏‎ ‎‏خرج من ید الـبائع ودخل فی ید الـمشتری، فهو أیضاً متعدٍّ بالهمزة، ولایکون‏‎ ‎‏الإنفاق لازماً حتّیٰ یتعدّیٰ بـ «من» فی الـمقام.‏

نعـم هنـا کـلام وهـو :‏ أنّ کلمـة «من» لـیست لـلتعدیـة، بل هی‏‎ ‎‏لـلتبعیض، فإذا قیل: أنفق من مالـه ، فمعناه أنفق بعض ذلک، وغیر خفیّ أنّ‏‎ ‎‏مفهوم الـمال لیس داخلاً فی حقیقـة الـلغـة؛ حتّیٰ یکون مجازاً إذا قیل: أنفق‏‎ ‎‏ممّا علّمناه شیئاً.‏

‏وقـد صـرّح بعـض أربـاب الـلغـة: بأنّ ذکـر هـذه الاُمـور عند تفسیر‏‎ ‎‏الـلغـة لإبانـة الـمعنیٰ وإفهامـه، ولا یتقیّـد بـه مفهـوم الـلغـة ومعنـاها،‏‎ ‎‏فلاتغفـل ولاتخلط.‏

‏ ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 414

  • )) راجع الصحاح 4 : 1560، وتاج العروس 7: 79، وأقرب الموارد 2 : 1331.
  • )) البحر المحیط 1 : 39 .
  • )) النساء (4) : 38 .