المسألة الخامسة
حول کلمة «یُقِیمُونَ»
قام یقوم بالأمر: تولّده، قام علیـه: راقبـه، قام علیٰ غریمـه: طالبـه، قام فی الـصلاة: شرع فیها، قام علیٰ الأمر: دام وثبت، قام الـحقّ: ظهر. أقام بالمکان: دام فیـه. وأقام الـشیء: أدامـه. أقام الـشرع: أظهره. أقام الـصلاة : أدام فعلها.
أقول: الـمستفاد من الـلغـة أنّ إقامـة الـصلاة لـیست بمعنیٰ الإتیان بها، وفرق بین ما إذا قیل: الـرجل یصلّی، وبین قولـه: الـرجل یقیم الـصلاة، وإذا قیل: «أقام الـصلاة» فربّما یُتراءیٰ منـه أنّـه أزال عوجها وأحکمها، کما یستفاد من الـلغـة. قال فی الأقرب: أقام الـشیء أزال عوجـه. انتهیٰ. وإزالـة الاعوجاج تستلزم الـتحکیم واستقامـة الـشیء طبعاً.
والـمستفاد من استعمالات الـکتاب: أنّ الـمراد من إقامـة الـصلاة هو الإتیان بها، وقد بلغت إلـیٰ قریب من الـثلاثین، وفی أکثرها الـقریب من الاتّفاق، قد عطف علیـه قولـه: «یُؤْتُونَ الزَّکَاةَ» وما یُشبهـه، وقولـه تعالیٰ: «أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ» أیضاً یکون فی موقف إیجاب الـصلاة، لا
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 406
إیجاب الإقامـة وعنوانها.
فعلیٰ هذا یتوجّـه إشکال: بأنّ الـلغـة تکذّب الـکتاب استعمالاً، فلابدّ من الالتزام بالمجازیّـة من غیر مصحِّح ومبرِّر لـلاستعمال ظاهراً.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ قولـه تعالیٰ: «أَقِمِ الصَّلاَةَ» وسائر مشتقّاتـه، کنایـة عن الإتیان بها وإیجادها، أو إشارة إلـیٰ لـزوم کونها ـ بعد مفروضیّـة وجوبها ولزوم إتیانها ـ مستقیمةً وصحیحةً وخالیةً عن الاعوجاج.
وربّما یخطر بالبال أن یقال: إنّ الأفعال الـمشتقّـة من الـصلاة لـیست نصّاً فی الـصلاة الـمخصوص بها شرع الإسلام، والـتی هی من الـمخترعات الـتشریعیّـة الإسلامیّـة أو غیر الإسلامیّـة.
والـذی هو الـظاهر أو کالنصّ فیها هو هذا الـنحو من الـتعبیر الـرائج فی الـکتاب، مثلاً هناک آیات مشتملـة علیٰ تلک الأفعال، وتکون ظاهرة فی الـمعنیٰ الأعمّ منها:
1 ـ «وَلاَ تُصَلِّ عَلَیٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً».
2 ـ «وَصَلِّ عَلَیْهِمْ».
3 ـ «فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ» ... وهکذا.
وإذا استعملتَ فعل الـصلاة متعدّیاً بـ «علیٰ» فهو بمعنیٰ الـدعاء ظاهراً، وقلّما یتّفق أن یکون کلمـة «صلّ» مستعملـة فی الـصلاة الـمخترعـة الإلهیّـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 407
الـتی أوّلها الـتکبیر، وآخرها الـتسلیم، مثل قولـه تعالیٰ: «وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ اُخْرَیٰ لَمْ یُصَلُّوا».
فعلیٰ هذا یمکن أن یکون اختیار هذا الـنحو وتلک الـکیفیّـة لإفادة الـمعنیٰ الـمخصوص، وأن یُستأنس بتلک الـطبیعـة الاختراعیّـة نفوس الـمسلمین وأرواح الـمتشرّعـة. واللّٰه الـعالم برموز کتابـه ولطائف صنعـه.
وهنا کلام آخر وهو : أنّ الـصلاة ـ کما یأتی تحقیقها ـ موضوعـة لـمعنیً أعمّ من الـصحیح والـفاسد، فإذا قیل: «الـذین یُصلّون» فهو لایفید ـ حسب الـلغـة ـ إلاّ الإتیان بالصلاة الـلغویّـة، وأمّا قولـه: «اَلَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ» فهو یفید الإتیان بها صحیحةً خالیّةً عن الاعوجاج والانحراف؛ قضاءً لـحقّ مفهوم الإقامـة الـملازم لـلاستقامـة، فتدبّر.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 408