سورة البقرة

علم الأسماء والعرفان

علم الأسماء والعرفان

‏ ‏

‏اعلم قد مضیٰ شطر من الـکلام ذیل قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏إِهْدِنَا الصِّرَاطَ‎ ‎الْمُسْتَقِیمَ‏»‏‏، وفی کون صفـة الـهدایـة من الأوصاف الـذاتیّـة أو الـصفاتیّـة أو‏‎ ‎‏الأفعالیّـة؛ أی هو من أسماء الـذات أو الـصفات أو الأفعال.‏

والذی هو مورد النظر هنا:‏ هو أنّ قضیّـة هذه الآیـة أنّ الـکتاب بنفسـه‏‎ ‎‏هدایـة، وتکون الـهدایـة لـلکتاب خارج الـمحمول ـ حسب الاصطلاح ـ‏‎ ‎‏وذاتیّ باب الـبرهان، فإذاً کیف یصحّ توصیفـه تعالیٰ بالهدایـة، فهل هذا شاهد‏‎ ‎‏علیٰ أنّ الآیـة فی موقف الـمبالغـة والـمجاز والادّعاء، أم هنا أمر آخر وراء ما‏‎ ‎‏یفهمـه الـعوامّ؟‏

‏وهو أنّ الـهدایـة من الـصفات الـکمالیّـة لـلوجود بما هو الـوجود،‏‎ ‎‏کسائر أوصافـه، فإنّ الـوجود هو الـهادی بنفس ذاتـه، والـحقّ الـمتعال‏‎ ‎‏لـیس بضالّ بالضرورة الـذاتیّـة الأزلیّـة، فهو الـهادی ، ولتلک الـصفـة ظهور‏‎ ‎‏فی جمیع الـنشآت حسب ما تقرّر، وذلک الـظهور واحد فی ذاتـه، ومتکثّر‏‎ ‎‏حسب اختلاف الأوعیـة والآفاق، وظهور الـهدایـة لـیس أمراً وراء نفس‏‎ ‎‏طبیعـة الـهدایـة، ولایعقل أن یکون الـظاهر من الـهدایـة أمراً آخر غیرها، فما‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 383
‏هو الـظاهر فی الـمظاهر والـمجالی لـلهدایـة، وهو نفس الـهدایـة الـجامعـة‏‎ ‎‏الـشاملـة الـواسعـة لـکلّ شیء، وتلک الـهدایـة الـذاتیّـة قبل الـظهور نفس‏‎ ‎‏الـوجود الـمطلق فی عین الإجمال، وإذاً لـیس هو الـکتاب، بخلاف ما إذا‏‎ ‎‏تجلّت الـصفـة فی الـمظاهر الـمتأخّرة والـدانیـة، فإنّها فی الـنشأة الـثانیـة‏‎ ‎‏الـظاهرة عین الـکتاب الإلهیّ الـتکوینی، وتلک الـصفـة إذا تجلّت بصورة‏‎ ‎‏الـکتاب الـتدوینی تُعدّ الـقرآن الـعظیم والـمثانی الـتی تقشعرّ منـه الـجلود،‏‎ ‎‏فیکون ذلک الـکتاب لاریب فیـه طبعاً، وهو نفس الـهدایـة فی جمیع الـمراتب‏‎ ‎‏فی الـمرتبـة الـذاتیّـة الأزلیّـة، وفی الـمرتبـة الـثانیـة «الـلایزالـیّـة»، وفی‏‎ ‎‏هذه الـنشأة الـکائنـة الـدائرة الـزائلـة، فهو تعالیٰ هدیً لـلمتّقین، وذلک‏‎ ‎‏الـکتاب هدیً لـلمتّقین، وهذا الـکتاب هدیً لـلمتّقین، والـکلّ علیٰ نعت‏‎ ‎‏الـحمل الـذاتی.‏

‏والـحمد للّٰه علیٰ ما ألهمنا من أمثالـه، والـصلاة علیٰ نبیّـه محمّد وآلـه.‏

‏ ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 384