الوجه السابع
الاستهزاء شغل الیهود
یخطر بالبال أن یقال: إنّ قضیّـة الآیـة صدراً هو أن یکون ذیلها هکذا: وإذا خلوا الـیٰ شیاطینهم قالـوا: إنّا کنّا مستهزئین؛ ضرورة أنّهم حین الـخلوة ما کانوا مستهزئین.
والجواب: أنّ إجراء الـمشتقّ علیٰ الـذات بلحاظ الـزمان الـماضی جائز وشائع، ولکن الـذی یخطر الـیٰ لـبّ ذوی الألباب: هو أنّ الـنظر ربّما کان الـیٰ أنّهم کانوا اتّخذوا الاستهزاء والـسخریّـة شغلاً وعادة لـهم، وکانوا هم فی الـمدینـة مستهزئین الـناس الـمختلفین، فیعرِّفون أنفسهم: بأنّا مستهزئون، ولا یخصّ استهزاؤهم بالـمؤمنین، نعم قد استهزؤوهم فی الـمرّة الأخیرة، فعوقبوا باستهزاء الله بهم.
ولعمری إنّ الـیهود کلاًّ کذلک؛ لأنّ من یتدبّر فی أقاویلهم وعقائدهم یجد
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 504
أنّهم الـمستهزئون، إلاّ أنّ فی الـحقیقـة یرجع استهزاؤهم علیٰ أنفسهم غافلین عن ذلک، وغیر شاعرین بـه. والله من ورائهم محیط.
وممّا یؤیّد أنّ الآیـة الـشریفـة تفید أنّهم من الـمستهزئین حسب الـجِبِلّـة وبالـطبع: حذف متعلّقـه وإلاّ کان ینبغی أن یقال: إنّما نحن مستهزئون بهم، فیعلم منـه أنّهم علیٰ هذه الـرذیلـة انغرسوا.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 505