سورة البقرة

البحث الرابع : حول کون الکتاب هدیً للمتقین

البحث الرابع

‏ ‏

حول کون الکتاب هدیً للمتقین

‏ ‏

‏ربّما تُشعر هذه الآیـة الـکریمـة بقولـه: ‏‏«‏هُدیً لِلْمُتَّقِینَ‏»‏‏باعتبار‏‎ ‎‏الـسِّنْخیّـة بین الـهادی والـمهتدی، فإنّـه إذا کان الإنسان من الـمتّقین واقعاً،‏‎ ‎‏وکان متصوّراً بصورة نازلـة من الـتقویٰ بالدرجـة الـدُّنیا منها، فهو من‏‎ ‎‏الـهدایـة طبعاً ویُعدّ من الـمهتدین، فلابدّ وأن تُحمل الآیـة الـشریفـة علیٰ أنّ‏‎ ‎‏ذلک الـکتاب الـذی لاریب فیـه هدیً بالنسبـة إلـیٰ الـمهتدین، فیخرجهم من‏‎ ‎‏الـنورانیّـة الـضعیفـة إلـیٰ الـنورانیّـة الأقویٰ، وهو خلاف الـتحقیق من أنّـه‏‎ ‎‏نور من الـضلالـة فی جمیع مراتبها، مع أنّ فی ذلک نوع شبهـة تخطر ببال‏‎ ‎‏الـناقصین، کما لایخفیٰ.‏

‏وإذاً إمّا یکون هدیً لـلضالّین فهو أیضاً غیر مطلوب؛ لـصراحتـه فی‏‎ ‎‏خلافـه، بل لایعقل کونـه هدایـة لـلضالّین الـمتصوّرین بصورة الـضلالـة‏‎ ‎‏الآبیـة عن قبول الـهدایـة، ‏‏«‏وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ‏»‏‎[1]‎‏.‏

‏فعلیٰ هذا یبقیٰ الـطائفـة الـثالثـة الـذین استعدّوا لـلاهتداء والاتّقاء‏‎ ‎‏والـتصوّر بصورة الـتقویٰ والـهدایـة، فهم بما أنّهم جامعون لـلشرائط اللاّزمـة‏‎ ‎‏وطاردون لـلموانع والـعوائق الـموجودة برفض الـخبائث والـرذائل یُعدّون‏‎ ‎‏من الـمتّقین، ویکون الـکتاب هدایـة لـهم، فهذه الآیـة الـکریمـة کأنّها تشیر‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 381
‏إلـیٰ اعتبار الـسِّنخیّـة بین من یهتدی بهدیٰ الـکتاب، وبین الـهدایـة الـجائیـة‏‎ ‎‏من قبلـه، ولاتشمل الـعنایـة الإلهیّـة الـخاصّـة إلاّ الـطائفـة الخاصّة.‏

وبالجملة:‏ الـقویٰ والاستعدادات الـموجودة فی الـطبائع: إمّا تصوّرت‏‎ ‎‏بالصور الـشیطانیّـة والـسبعیّـة والـبهیمیّـة، فهی خارجـة عن إمکان الاهتداء‏‎ ‎‏بهُدیٰ الـکتاب، وإمّا تکون باقیـة قابلـة لأن یُعدّ من الـمتّقین، فهو من‏‎ ‎‏الـمهتدین بهُدیٰ الـکتاب الـمبین إن شاء اللّٰه تعالیٰ.‏

‏ ‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 382

  • )) الأعراف (7) : 179 .