سورة البقرة

النکتة التاسعة : حول عدم العلم بالسفاهة

النکتة التاسعة

‏ ‏

حـول عدم العلم بالسفاهة

‏ ‏

‏قد عرفت أنّ الـسفـه بحسب أصل الـلغـة من الـجهل، فعلیٰ هذا إذا‏‎ ‎‏قیل فی حقّهم: ‏‏«‏أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـٰکِنْ لاَ یَعْلَمُونَ‏»‏‏ فهو فی قوّة أن یقال:‏‎ ‎‏ألا إنّهم هم الـجاهلون، ولا یدرون أنّهم جاهلون، فیکون جهلهم جهل مرکّب لا‏‎ ‎‏بسیط، ولأجل ذلک وإفادتـه ربّما اختلفت هذه الآیـة فی الاستدراک عن الآیـة‏‎ ‎‏الـسابقـة، فهناک إنّهم لا یشعرون ولا یملکون شعوراً؛ لأنّ الـفساد والإفساد من‏‎ ‎‏الاُمور الـبدیهیـة الـتی یشخّصها ذوو الالباب الأوّلیـة، فضلاً عن الأحبار‏‎ ‎‏وأمثالـهم، فإذا قصّروا عن ذلک فهم لا یشعرون، ولا یکونون من ذوی الـشعور‏‎ ‎‏والإدراک الإحساسی، بخلاف الإیمان فی هذه الآیـة، فإنّـه من الاُمور الـکلّیـة‏‎ ‎‏الـمحتاجـة الـیٰ دقّـة الـنظر والـتدبّر والـتفکّر، ولکنّهم قاصرون عن ذلک،‏‎ ‎‏وجاهلون بقصورهم، فیکون جهلهم مرکّباً.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 461
إن قلت:‏ بناء علیٰ هذا یتولّد مشکلـة: وهی أنّ الـجاهل الـمرکّب‏‎ ‎‏الـمعتقد بمقالـتـه، معذور فی فعالـه وصنعـه واعتقاده الـباطل، فلا یصحّ‏‎ ‎‏توبیخهم وتثریبهم علیٰ اُمورهم، ولا یصحّ عدّهم من الـسفهاء.‏

قلت:‏ قد فرغنا عن حلّ أمثال هذه الـمعضلات والـمشکلات فی الآیـة‏‎ ‎‏الـسابقـة، وذکرنا بتفصیل: أنّ الاهتمام بشأن الـمسلمین حین طلوع الإسلام،‏‎ ‎‏کان ممّا یجب علیٰ صاحب الإسلام؛ حفاظاً علیٰ الإسلام ودفاعاً عن حقّ‏‎ ‎‏الـمسلمین. هذا، مع أنّهم بالـجهل الـمرکّب لایخرجون عن الـسَّفَـه الـواقعی.‏

ومن هنا یظهر:‏ أنّ الـمحذوف ومفعول ‏‏«‏لاَ یَعْلَمُونَ‏»‏‏ هی سفاهتهم،‏‎ ‎‏ویمکن إبداع الاحتمالات الاُخر الـتی مرّت فی الآیـة الـسابقـة بأنحائها،‏‎ ‎‏ویحتمل أن لا یکون لـلفعل مفعول مخصوص؛ لأنّ الـنظر مقصور فی توصیفهم‏‎ ‎‏بمطلق الـجهل.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 462