البحث الرابع
حول اتّصاف الکتاب بالهدی
مقتضیٰ ما تحرّر فی بحث الـقراءة: أنّ الآیـة ظاهرة فی أنّ الـکتاب نفسـه الـهدیٰ ضدّ الـضلالـة، لا أنّـه فیـه الـهدیٰ، ومن هذا الـحمل الـمواطاة یُستفاد أنّ الـمقصود إفادة الاتّحاد: إمّا بنحو الـحقیقـة الأوّلیّـة، أو الـحقیقـة الـثانویّـة الـمعبّر عنها بالمجاز والادّعاء، وحیث لاسبیل إلـیٰ الأوّل یتعیّن الـثانی، وقد مر أنّ الـدعویٰ لاتصحّ إلاّ بالمصحِّحات الـعقلائیّـة، ولکنّها هنا واضحـة، أو یکفی لـذلک کون الـمتکلّم فی مقام إفادة الـمبالغـة؛ وأنّ الاهتداء بهذا الـکتاب یبلغ إلـیٰ حدّ یصحّ أن یقال: هذا الـکتاب هو الـهدیٰ. وهذا من
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 367
أحسن موارد الـبلاغـة فی الـمبالغـة، وقد تعارف بین کلمات الـبلغاء أمثالـه.
وربّما یتخیّل: أنّ الأقرب أن یُقرأ : «فِیهِ هُدیً»، ویکون خبر «لا» محذوفاً؛ لأنّ فی دوران الأمر بین الـحذف فی الـکلمـة والـمجاز فی الإسناد یکون الـثانی أغرب.
وأنت خبیر: بما فیـه من الانحراف عن جادّة الاعتدال، ولاسیّما فی مثل هذا الـکتاب الـمشحون بالاستعارات والـمجازات.
وإن شئت قلت: إنّـه الـهدیٰ حقیقـة لا مجازاً؛ وذلک لأنّ هدایـة الإنسان بعد الـتصفیـة الـکاملـة والـتحقّق بحقیقـة الـتقویٰ، تکون بالمعارف والـعلوم الـمخزونـة فی نفسـه وبالکلمات الإلهیّـة والـکتب الـسماویـة، وحیث إنّ الـکتاب الإلهی والـکلام الـربّانی، واحد بحسب الـحقیقـة ومختلف بحسب الاعتبار، کما ربّما نشیر إلـیـه فی بعض الـبحوث الآتیـة، فما من الـقرآن فی الـنفس الإنسانیّـة هو الـهدیٰ؛ لأنّـه بـه الـمهتدیٰ.
وبعبارة اُخریٰ: الـهدایـة حقیقـة اهتداء الـبشر نحو الـخیر، واهتداؤه لایتحقّق إلاّ بتحقّق ما بـه الاهتداء فی الـنفوس الـبشریّـة، فما هو الـمهتدی هو الإنسان، وماهو الـهدیٰ هو الـضیاء والـنور الـحاصل لـه، ولأجل ذاک وذلک یقال: الـقرآن نور وضیاء؛ لأنّ الـمتنوّر والـمستضیء لایتحقّق استنارتـه إلاّ بالقرآن، فیکون الـقرآن نوراً حقیقـة، وهدایـة وضیاءً واقعاً، فما تریٰ فی کتب الـتفسیر هنا وفی سائر الـمباحث، کلّـه ناشئ من قلّـه الـباع وعدم الاطّلاع علیٰ مغزیٰ الـمرام واُسّ الـمطالب. واللّٰه الـهادی.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 368