النکتة الاُولیٰ
وجه تأخیر هذه الآیة
ربّما یخطر بالـبال الـسؤال: عن وجـه تقدیم الـشرطیـة الاُولیٰ علیٰ الـشرطیـة الـثانیـة الـمذکورة فی هذه الآیـة، مع أنّ الأمر بالإیمان کان ینبغی أن یقدّم علیٰ الـنهی عن الإفساد، وعندئذٍ نقول:
من الممکن أن یقال: إنّ الـمنافقین بعد ما کانوا مُقرّین فی الـصورة بالإیمان بالله وبالـیوم الآخر فیحاجّونهم: بأنّکم إن کنتم تؤمنون بالله وبالـیوم الآخر، فلا تُفسدوا فی الأرض، وبعدما أقرّوا: بأنّا مصلحون، فیدلّونهم الـیٰ أن یؤمنوا إیماناً خالـصاً، مثل ما یؤمن الـناس والآخرون.
أو یقال: إنّ الآیـة الـسابقـة تکفّلت بمقام الـتخلیـة عن الـمفاسد والـرذائل والـمهلکات والـبلیّـات، وهذه الآیـة تعرّضت لـلتجلیـة والـتحلیـة، فإنّها بعد ذاک بحسب الـمراتب الـمحرّرة فی الـفلسفـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 451
الـعملیـة والـحکمـة الـتطبـیقیـة.
أو یقال: إنّ الـقائل فی الآیـة الاُولیٰ والـمحاجّـة الـسابقـة کان منهم ـ کمـا عرفت تقریبـه ـ فهو لا یقول إلاّ بالـنهی عن الإفساد، فإذا عُرف من حالـهم أنّهم یظنّون أنّهم مصلحون، فقیل لـهم: لـو کنتم مصلحین فآمنوا حقیقـة کإیمان الـناس.
أو یقال: إنّـه لـم یکن الـنظر الـیٰ إیمانهم؛ لـما لا منفعـة فیـه ولا خیر منـه، بل الـمقصود مقصور علیٰ ترکهم الإفساد ومنعهم عن الـتضادّ والـفساد، ولکنّهم لمّـا قالـوا: «إِنَّـمَا نَحْـنُ مُصْلِحُونَ» عـرض علیهم إذا کـان الأمـر کمـا زعمتـم، فآمنـوا کما آمن الـناس، ولا تکونوا منافقین بإبطان الـکفر وإظهـار الـخلوص.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 452