فی صحّة الصلاة إذا لم تقع مستدبراً بها القبلة
بقی بحث: قد صحّت الـصلاة الـواقعـة بین الـمشرق والـمغرب، بتمامها أو جزئها؛ لـکونها إلـی الـقبلـة، وهو مقتضیٰ «لا تعاد».
وربّما یخطر بالبال: أنّ الـصلاة الـواقعـة إلـی الـمشرق والـمغرب بعرضهما الـعریض، الـخارجـة عمّا بین الـمشرق والـمغرب، وغیر الـداخلـة فی الـدبر عرفاً، إن کانت باطلـة، فهو لأجل الأصل الأوّلی، وإلاّ فالأخبار قاصرة عن إبطالها، بل مقتضیٰ قاعدة «لا تعاد» أیضاً عدم بطلانها؛ لـعدم فَقْد الـقبلـة، بل قضیّـة قولـه علیه السلام: «إن کان متوجّهاً إلیٰ دبر القبلة فلیقطع الصلاة، ثمّ یحوّل وجهه إلی القبلة» أنّ الـفرض الـباطل هو صورة وقوعها دبر الـقبلـة، ومستخلفاً حقیقـة، فإذا خرج عن دبر الـقبلـة، یدخل فی الـقبلـة
کتابتحریرات فی الفقه: الخلل فی الصلاةصفحه 94
الـحکمیّـة، أو الـواقعیّـة، فتصحّ، وحیث لـم یحدّد مفهوم الـدبر، بخلاف مفهوم الـقبلـة، وأنّ ما بین الـمشرق والـمغرب لـیس مشرق یوم الـصلاة ومغربـه بالضرورة، ولا الـیوم الأوّل، ولا الـیوم الآخر، من الـمشارق والـمغارب، فالکلّ یعدّ ما بین الـمشرق والـمغرب، حسب طلوع الـشمس وغروبها الـعادیّـة فی هذه الآفاق، فالقسمـة ثنائیّـة، لا ثلاثیّـة، والـصلاة فی صورة وقوعها فی الـخلف ـ الـذی لا تطلع فی الـسنّـة فیـه الـشمس ولا تغرب فیها یوماً ـ باطلـة، وفاقدة الـقبلـة الـحکمیّـة، وداخلـة فی «لا تعاد».
فالدائرة الّتی یتخیّل لـلمصلّی، بحسب الاُفق، تنقسم إلـی الأربعـة، ولا تصحّ الـصلاة فی واحدة منها، وهو الـمسمّیٰ بالخلف والـدبر، وحمل الـروایـة علی الـیوم الأوّل أو الـیوم الـوسط أو الـیوم الآخر أو یوم الـصلاة، حمل علی الـنادر، وإن کان الأخیر غیر بعید فی نفسـه، إلاّ أنّ الالتزام بـه غیر تامّ، کما لا یخفیٰ، بخلاف کون الـمطالع والـمغارب والـحدّ الـوسط قبلـة حکمیّـة لـغیر الـعالم الـعامد.
فبالجملة: الـقسمـة هادمـة لـلشرکـة، وظاهرة فی أنّ الـقبلـة إمّا موجودة أو مفقودة، ولا ثالث.
ولا شبهـة فی فقد الـقبلـة الـحقیقیّـة بین الـمشرق والـمغرب، بخلاف الـحکمیّـة؛ فإنّها بید الـشرع، والـمتفاهم من أمثال هذه الـتراکیب هو الـمتفاهم من قولک بین الـسماء والأرض.
ونتیجة ذلک: أنّ الـجملـة الـثانیـة بیان لـمفهوم الـجملـة الأولیٰ، وبالعکس لـو قلنا بالمفهوم لـ «معتبر الـساباطیّ» صغرویّاً وکبرویّاً، واحتمال کون الـمقصود أنّ الـمشارق والـمغارب قبلـة، دون الـحدّ الـوسط أبعد.
کتابتحریرات فی الفقه: الخلل فی الصلاةصفحه 95
ویؤیّد ما ذکرنا: أنّ الـیمین والـیسار، والـشمال والـجنوب، خفیف الـمؤونـة فهماً، ویتمکّن أوساط الـناس من ذلک، بخلاف الـنقطـة الـخاصّـة، فلا تغفل.
کتابتحریرات فی الفقه: الخلل فی الصلاةصفحه 96