وعلیٰ مسلک الخبیر البصیر
لا تختلف هذه الـتعابیر ولا تَشتّتُ تلک الـعبائر، بل:
عباراتُنا شتّیٰ وحسنُکَ واحدٌ
وکلٌّ إلیٰ ذاک الـجمالِ یُشیرُ
فإنّ الـقرآن بما أنّـه من الـغیب إلـیٰ عالم الـشهادة، وبما أنّـه تنزّل من الـمطلق إلـیٰ الـمراتب الـنازلـة وإلـیٰ أدنیٰ مراحل الـتقیید، فطبعاً هو الـمتحرّک فی الـسفر الـرابع من الـمبدأ ـ فی الـقوس الـنزولی ـ إلـیٰ الـمنتهیٰ حتّیٰ صار عرضاً مسموعاً وخطّاً مکتوباً، فیما أنّـه کذلک مستجمع للکلّ مع وحدتـه الـجمعیّـة، فـ «صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیهِمْ» لایتأبّیٰ من أن یُراد بـه واحد من هذه الـمعانی الـرقیقـة أو کلّها، وهکذا «غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلاَ الضَّالِّینَ»وهو تابع قصد الـقارئ، فلـه أن یقصد بـه الـمعیّن أو الـکلّ فی مقام الـقراءة. ومن هنا یتجلّیٰ لـک أنّ مراتب الـمعانی ربّما کانت أکثر من ذلک، فلا یمکن الإحاطـة بما هو مرام الـرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلمحین الـقراءة، ولکن ما یقصده حین الـقراءة داخل فی هذا الـمفهوم الـعامّ الـلُّغوی بالضرورة.
وإن شئت قلت: إنّ الـمراد من «أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ»، إن کان الـمُنعَم علیـه بنعمـة الـتوحید، فـ «الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ» والـضالّون هما الـمنکرون والـمتردّدون، وإن کان الـمراد منـه مَن أنعم علیـه نعمـة الإقرار بالأسماء والـصفات والأفعال، الـمناسبـة لـمقام وجوب الـوجود، فهما مقابلاه علیٰ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 227
الـوجـه الـمزبور، وإن کان الـمراد منـه نعمـة الإقرار بالشریعـة فهکذا، وإن کان الـمراد منـه نعمـة الإقرار بالإسلام فهکذا ... إلـیٰ أن تصل الـنوبـة إلـیٰ أن یکون الـمراد منها نعمـة الـعود من الـسفر الـثالث الـمعنوی، فیکون أکثر الـموحّدین والـمسلمین والـمؤمنین من «الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ»و«الضَّالِّینَ»، فإنّ من کان همّـه الـوصول إلـیٰ نعمـة الآخرة؛ بدخول الـجنّـة والـفرار من الـنار، فهو مغضوب علیـه؛ لأنّـه قد أفنیٰ فی ذاتـه استعداده الـذاتی والـفطرة الـتی توجّهـه إلـیٰ الـمراتب الـعالیـة، الـتی لاینظر بالوصول إلـیها إلـیٰ الـجنّـة والـنار، ویکون خلیّاً عنهما، ومشتاقاً إلـیٰ جنّـة الـذات متنفّراً من حُجُبها.
ومن لـم یتمکّن من إحیاء تلک الـغریزة وإخراجها من الـقوّة إلـیٰ الـفعلیّـة ـ بالتردّد فی أثناء الـطریق ـ یکون من الـضالّین.
فـ «الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ» والـضالّون یقاسون إلـیٰ الـمُنعَم علیهم وإلـیٰ الـنعمـة الـمخصوصـة بهم، وحیث إنّ الآیـة الـشریفـة لا تأبیٰ عن شمول کلّ الـمعانی، وتکون الـنعمـة عامّـة وقابلـة لـشمول جمیع أنحائها، فلا یختصّ الـمراد منها بإحدیٰ الاحتمالات الـمذکورة، بل جمیعها مندرج تحتها بعون اللّٰه وقدرتـه.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 228