سورة الفاتحة

إفاضة وإنارة: فی اعتبارات «المنعم»

إفاضة وإنارة: فی اعتبارات «المنعم»

‏ ‏

‏اعلم أنّ ـ حسب الـتقسیم الـمعروف فی الأسماء الإلهیّـة ـ «الـمُنعِم»‏‎ ‎‏من أسماء الأفعال، وحسب ما تحرّر: أنّ جمیع هذه الأسماء ـ فی اعتبار ـ من‏‎ ‎‏أسماء الـذات، وفی اعتبار آخر تنقسم إلـیٰ الأسماء الـثلاثـة: الـذات‏‎ ‎‏والـصفـة والـفعل، وربّما یُعَدّ الاسم الـواحد ـ باعتبار اختلاف الآثار فی‏‎ ‎‏مختلف الـنشآت ـ من الأسماء الـثلاثـة أو الأخیرتین منها‏‎[1]‎‏، ومن تلک‏‎ ‎‏الأسماء ـ حسب ما یأتی منّا تفصیلـه فی أوائل سورة الـبقرة إن شاء اللّٰه‏‎ ‎‏تعالیٰ اسم «الـمنعم»، فإنّ من ظهوره یتجلّیٰ الأعیان الـثابتـة فی الـنشأة‏‎ ‎‏الـعلمیّـة، ویتقدّر الأشیاء بقدرها، ومن تجلّیـه الآخر تظهر الأشیاء فی الـنشأة‏‎ ‎‏الـعینیّـة، فهو تعالیٰ منعم بالإنعامین: الإنعام بفیضـه الأقدس والإنعام بفیضـه‏‎ ‎‏الـمقدّس، والإنعام الـثانی ظهور الإنعام الأوّل؛ وتجلٍّ عینیّ لـتجلٍّ علمیّ.‏

‏وفی اعتبار أنّ «الـمنعم» من اعتبارات الـذات فی الـمرتبـة‏‎ ‎‏الـواحدیّـة، کعلم الـذات بالأسماء والـصفات؛ ضرورة أنّ وصف الإنعام‏‎ ‎‏الـذاتی وإن لا ینتزع من الـذات بما هی هی، ولکنّـه یُنتزع منها باعتبار‏‎ ‎‏الـتجلّی الأوّل بصدور الـفیض الأقدس، فهو منعم فی تلک الـمرحلـة وذلک‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 215
‏الـمقام، وحیث إنّ «الـمنعم» من توابع اسم «الـقدیر» الـذی هو من الاُمّهات‏‎ ‎‏الأسمائیّـة، فلا یکون بنفسـه من الأوصاف الـکمالیّـة الـذاتیّـة، بل هو من‏‎ ‎‏الأوصاف الانتزاعیّـة الـقهریـة من غیر لـزوم نقص فی الـذات، ثمّ استکمال‏‎ ‎‏لها بذلک الـوصف، وللمسألـة طور آخر یطلب من محالّـه.‏

‏ولأجل أنّ الـنعمـة عامّـة وخاصّـة ـ کنعمـة الـوجود وکمالاتـه‏‎ ‎‏الـوهمیّـة، وکنعمـة الـمعرفـة وکمالاتها الـحقیقیّـة ـ یکون هذا الاسم من‏‎ ‎‏الأسماء الـرئیسـة، بل فی اعتبار جامعاً لـلاسمین «الـرحمن والـرحیم»،‏‎ ‎‏ولکن قد عرفت عموم کلّ واحد منهما من قِبَل الـذات الـمقدّسـة، وهکذا‏‎ ‎‏إنعامـه بالکمالات الـحقیقیّـة عامّ من ناحیـة الـذات الأحدیّـة، وإنّما‏‎ ‎‏الاختلاف فی کیفیّـة الاستعدادات والـقوابل، ‏‏«‏أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ‎ ‎أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِهَا‏»‏‎[2]‎‏.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 216

  • )) راجع شرح القیصری علیٰ فصوص الحکم : 14 ، مصباح الاُنس : 113 .
  • )) الرّعد (13) : 17 .