سورة الفاتحة

علم الأسماء والعرفان

علم الأسماء والعرفان

‏ ‏

قد تحرّر فی محلّه:‏ أنّ غیر هذا الـسفر الـظاهری والـحرکـة‏‎ ‎‏الـمتوسّطـة بین الـمبدأ والـمعاد، سفراً معنویّاً ینقسم إلـیٰ غیر الـنهایـة؛‏‎ ‎‏حسب الـسیر فی الـمعانی والـروحانیّات، وحسب الـحرکـة فی الـحسنات‏‎ ‎‏الأخلاقیّـة والفضائل الإنسانیّـة؛ بالخروج من الحُجُب الظُلمانیّة وبترک الغرائز‏‎ ‎‏الـرذیلـة، إلاّ أنّ الـمعروف منهم‏‎[1]‎‏ ـ ومن تحریراتنا فی «الـقواعد الـحکَمیّـة»‏‎ ‎‏لبعض المناسبات الـعرفانیّـة ـ أنّ عُمُده أربعـة، وقد ذکرناها فی بعض البحوث‏‎ ‎‏الـسابقـة، ونشیر إلـیها حتّیٰ یتوجّـه الـسالک الـعارف إلـیٰ أنّ هذه الـسورة‏‎ ‎‏قد اشتملت ـ حسب الـذوقیّات الإدراکیّـة ـ علیٰ تلک الأسفار غیر مرّة.‏

اعلم:‏ أنّ الـسفر الأوّل هو الـسیر من الـخلق إلـیٰ الـحقّ الـمخلوق‏‎ ‎‏بـه والـحقّ الـثانی؛ برفض الـکثرات والـخروج عن تلک الـبیوت والـدور،‏‎ ‎‏والـوصول إلـیٰ مرتبـة الـقلب بشهود الـوحدة الـظلّیّـة الـمستجمعـة لـجمیع‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 212
‏الأوصاف والـکمالات الـکلّیّـة، وتلک الـوحدة مظهر الـوحدة الأصلیّـة، ولعلّ‏‎ ‎‏إلـیٰ هذه الـسفرة الـصعبـة یشیر الـمولوی:‏

‏ ‏

‏جمله دانسته که این هستی فخ است‏

‎ ‎‏ذکر و فکر اختیاری دوزخ است‏‎[2]‎

‏ ‏

‏والـسفرة الـثانیـة من الـحقّ الـمخلوق بـه إلـیٰ الـحقّ الأوّل؛‏‎ ‎‏بخروجـه عن تلک الـوحدة الـوهمیّـة، ووصولـه إلـیٰ مقام الـواحدیّـة؛‏‎ ‎‏بمشاهدة الأوصاف والـصفات الإلهیّـة، وملاحظـة أحکام الـروح بعد‏‎ ‎‏الـخروج عن بیت الـقلب وقبل الـوصل إلـیٰ مقام الـسرّ.‏

‏والـثالثـة من الـحقّ الأوّل ـ ومن الـحضرة الـواحدیّـة الـجمعیّـة ـ‏‎ ‎‏إلـیٰ الـحقّ الـمتجلّی بتجلّی الأحدیّـة الـغیبیّـة الـذاتیّـة؛ بخروجـه من‏‎ ‎‏الـمرتبـة الـسابقـة ووصولـه إلـیٰ هذه الـحضرة. وهناک سفرة اُخریٰ غیر‏‎ ‎‏ممکنـة وقد استأثرها لـنفسـه لا ینالها الأوحدی.‏

‏عنقا شکار کس نشود دام بازگیر‏‎[3]‎

‏ویصل فی هذه الـورطـة إلـیٰ مقام الـخفاء بل والأخفیٰ، وهنا‏‎ ‎‏الـضلالـة الـحقیقیّـة لـما لا یبقیٰ منـه الأثر، ویبقیٰ ببقاء اللّٰه، فإذا کان ممّن‏‎ ‎‏شملتـه الـعنایـة الإلهیّـة والـرحمـة الـرحیمیّـة، یشرع فی الـسفرة الأخیرة‏‎ ‎‏من الـحقّ الأوّل إلـیٰ الـخلق، واجداً لـمقام الـبرزخیّـة الـکبریٰ، متنعّماً‏‎ ‎‏بأنواع الـنعمـة، وفی هذه الـسفرة یأتی بالتشریع والـقانون. وقد اختلفت‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 213
‏أحکام الـراجعین إلـیٰ الـحقّ حسب اختلاف حالاتهم فی هذه الأسفار،‏‎ ‎‏واختلفت الـشرائع الإلهیّـة لاختلاف مقاماتهم:‏

‏فمن سافر من بیت الـنفس الـمظلمـة بالمرّة، وجاهد فی اللّٰه حقّ‏‎ ‎‏جهاده، وتوجّـه إلـیـه توجّهاً تامّاً بجمیع شؤونـه وأحکام وجوده، هو الـنبیّ‏‎ ‎‏الإسلامی الـخاتم، محمّد بن عبداللّٰه الأعظم ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ روحی وروح الـعالمین‏‎ ‎‏لـتراب قدمـه الـفداء، وقد صاحبـه فی هذه الـسفرة الأنوار الاُخر والأئمّـة‏‎ ‎‏الاثنا عشر بوحدة نورانیّـة، حشرنا اللّٰه تعالیٰ معهم، ورزقنا اللّٰه شفاعتهم.‏

‏فإذا طلع لـک هذه الـحقائق وظهر علیک تلک الـرقائق الـمبرهنـة فی‏‎ ‎‏مقاماتها والـمشفوعـة بالمشاهدات الـعرفانیّـة عند أهلها، فإلـیک الآیات‏‎ ‎‏الأخیرة من هذه الـسورة الـجامعـة: فإنّ الـمنعَم علیهم هم الـذین رجعوا عن‏‎ ‎‏الـسفرة الـثالثـة إلـیٰ الـشهود، ومن الـفناء الـذاتی والـصفاتی والأفعالی‏‎ ‎‏إلـیٰ الـبقاء ببقاء اللّٰه، ومن الـباطن والـغیب الـمطلق إلـیٰ الـظاهر والـشهادة‏‎ ‎‏الـمطلقـة، فهم الـمهتدون الـحقیقیّون الـذین یطلب الـسالک أن یهتدی بهداهم‏‎ ‎‏ویقتدی بهم.‏

‏والـمغضوب علیهم هم الـذین لـم یخرجوا من سجن الـطبیعـة، ولم‏‎ ‎‏یتحرّکوا إلـیٰ دار الـعزّة والاهتداء، وانغمروا فی الـشهوات والـرذائل،‏‎ ‎‏وانغمسوا فی الـخبائث والـمادّة، ولم یُدرکوا من الـغیب شیئاً ولا من الـحقیقـة‏‎ ‎‏أمراً، ولم یذوقوا من أطعمـة الآخرة، ولا من لـذائذ الـقیامـة؛ حتّیٰ ماتوا‏‎ ‎‏کالأنعام، بل هم أضلّ سبیلاً.‏

‏وأمّا الـضالّون الـمتحیّرون الـباقون فی الـسفرة الـثانیـة والـثالثـة، ولم‏‎ ‎‏تدرکهم الـعنایـة الإلهیّـة بالخروج من جلباب الـحجب الـنورانیّـة، فلم‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 214
‏یصبحوا فی الآفاق الـمطلوبـة؛ بالرجوع من تلک الـوحدات، فلم یتمکّنوا من‏‎ ‎‏حفظ مقام الـکثرة فی الـوحدة والـوحدة فی الـکثرة، فضلّوا ـ کما أنّ‏‎ ‎‏الـحکمـة ضالّـة الـمؤمنین ـ وقد تبیّن لـک أنّ الـضلال أصلـه الـهلاک،‏‎ ‎‏فهلکوا. واللّٰه هو الـمؤیّد، وعلیـه الـتکلان.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 215

  • )) راجع رسالة فی تحقیق الأسفار الأربعة ، محمّد رضا القمشه ای ، ضمن شرح الهدایة الأثیریة : 394 .
  • )) مثنوی معنوی ، دفتر ششم ، بیت 226 .
  • )) دیوان حافظ شیرازی وتمامه : کانجا هزار باد بدست است دام را