سورة الفاتحة

المسألة الثالثة : حول مسألة الجبر

المسألة الثالثة

‏ ‏

حول مسألة الجبر

‏ ‏

‏قالت الـمعتزلـة: إنّ خالق الإیمان هو الـعبد لا غیره‏‎[1]‎‏، وهذه الآیـة تدلّ‏‎ ‎‏علیٰ أنّ الإیمان من إنعام اللّٰه تعالیٰ؛ ضرورة أنّ الإیمان إمّا هو الـقدر الـمتیقّن‏‎ ‎‏من قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ‏»‏‏، أو هو الـمقصود لا غیره، أو هو أیضاً داخل‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 202
‏فی الآیـة، بل قد ورد فی أخبارنا ما یؤیّد الأوّل‏‎[2]‎‏، وقد مرّ طائفـة منها فیما‏‎ ‎‏سبق حول الـمراد من الـصراط الـمستقیم‏‎[3]‎‏، وهذا هو الـمستظهر من قولـه:‏‎ ‎‏«‏غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلاَ الضَّالِّین‏»‏‏، فإنّ الـنعمـة الـمقابلـة لـلغضب‏‎ ‎‏والـضلالـة هی نعمـة الإیمان والاعتقادات الـصحیحـة.‏

إن قلت:‏ بناءً علیٰ هذا یلزم الـجبر، فإنّ خالق الإیمان إذا کان هو اللّٰه‏‎ ‎‏تعالیٰ، فخالق الـکفر أیضاً هو تعالیٰ.‏

‏قلت: لـیس معنیٰ خلق اللّٰه الإیمان والـکفر: أنّـه تعالیٰ جُزافاً یُرید‏‎ ‎‏الإیمان فی أحد والـکفر فی الآخر، بل الـکفر والإیمان من کمالات الـوجود،‏‎ ‎‏ومثل سائر الـصور الـحالّـة فی محالّها ویتقوّم بالإمکانات الـخاصّـة‏‎ ‎‏الاستعدادیّـة والـصور الـسابقـة، إلاّ أنّ الإیمان من الـکمالات الـحقیقیّـة‏‎ ‎‏والـکفر من الـکمالات الـوهمیّـة.‏

فبالجملة:‏ لا شبهـة حسب الـبراهین الـمقرّرة فی محلّـه، وسیُوافیک فی‏‎ ‎‏بعض الـبحوث الـمناسبـة: أنّ إرادتـه تعالیٰ نافذة، وقدرتـه تعالیٰ عامّـة‏‎ ‎‏شاملـة لـکلّ شیء‏‎[4]‎‏، وأنّ إرادة الـعبد وقدرتـه رَشْحـة من تلک الإرادة‏‎ ‎‏الأزلیّـة الـکلّیّـة الـسِّعیّـة، ولها الـدخالـة فی حصول الإیمان والـکفر؛ من‏‎ ‎‏غیر کونها علّـة تامّـة، فالإیمان والـکفر من الاُمور الـتی تکون تحت الاختیار‏‎ ‎‏والإرادة بمبادئها وإن لا یتعلّق بها الإرادة والاختیار ابتداءً.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 203
‏فما یتوهّمـه الـمعتزلـة من : أنّ الإیمان مخلوق الإنسان من أجزاء‏‎ ‎‏مقالتهم الـکلّیّـة بالتفویض، کما أنّ من یتوهّم: أنّـه مخلوق اللّٰه من غیر دخالـة‏‎ ‎‏إرادة الـعبد، هو أیضاً من أجزاء مقالتـه الـکلّیّـة بالجبر، وخیر الاُمور أوسطها،‏‎ ‎‏کما تحرّر وتقرّر.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 204

  • )) راجع شرح المقاصد 4: 223 ومابعدها، وشرح المواقف 8 : 146 ومابعدها.
  • )) راجع معانی الأخبار : 36 ـ 37 / 9 .
  • )) راجع الفاتحة : الآیة 6 ، التفسیر والتأویل علی اختلاف المسالک والمشارب .
  • )) راجع الأسفار 6 : 369 .