سورة البقرة

البحث الرابع : حول العقاب والثواب

البحث الرابع

‏ ‏

حول العقاب والثواب

‏ ‏

ذهب الفلاسفة الإسلامیون‏ الـیٰ أنّ الـعقاب والـثواب من تبعات الأعمال‏‎ ‎‏والأفعال، وربّما یکون من تبعات الـصفات والأخلاق، أو من تبعات الـذوات‏‎ ‎‏والأعیان، فتنقسم: الـیٰ جحیم الـذات وجنّتها، وجحیم الـصفات وجنّتها،‏‎ ‎‏وجحیم الأفعال وجنّتها‏‎[1]‎‏.‏

وهذه الآیة الشریفة‏ ربّما تدلّ علیٰ خلاف هذه الـمقالـة من جهتین:‏‎ ‎‏الاُولیٰ کون الـعذاب من الـتبعات، والـثانیـة کون الـصفات مورد الـعذاب،‏‎ ‎‏فضلاً عن الـذات؛ وذلک لـظهورها أوّلاً فی أنّ الـعذاب الألیم مجعول من قِبَل‏‎ ‎‏الله تعالـیٰ استقلالاً، لا تبعاً وثانیاً؛ لـکلمـة الـباء الـظاهرة فی الـجزاء‏‎ ‎‏والـمقابلـة.‏

‏وأیضاً لـظهورها فی أنّ الـعذاب الألیم مقابل کذبهم، وهو فعل منهم، لا‏‎ ‎‏یقابل الـمرض الـذی فی قلوبهم وازداد، بل یستفاد من سیاق الآیـة وتقیـید‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 372
‏الـعذاب الألیم بقولـه: ‏‏«‏بِمَا کَانُوا یَکْذِبُونَ‏»‏‏: أنّ الـمقصود صِرْف توهّم کون‏‎ ‎‏الـعذاب فی مقابل ذلک الـمرض الـذی یحصل فی قلوبهم بغیر اختیار أحیاناً،‏‎ ‎‏فتنادی هذه الآیـة الـشریفـة الـیٰ إبطال ما اعتقدوه فی هذه الـورطـة،‏‎ ‎‏وسجّلوه فی قراطیسهم وأساطیرهم، ولکن لـمّا کانت الـشواهد الـکثیرة من‏‎ ‎‏الـمآثیر والأخبار صریحـة فی تجسّم الأعمال وتبعات الـصفات الـمذمومـة،‏‎ ‎‏فیمکن دعویٰ: أنّ الـظهور الأوّل قابل لـلإنکار، والـظهور الـمستند الـیٰ الـباء‏‎ ‎‏فی محلّـه، إلاّ أنّ الـصور الـبرزخیـة جزاء الـصور الـمادیّـة، ولا یتقوّم مفهوم‏‎ ‎‏الـجزاء بکونـه وارداً علیٰ الـمجزیٰ بـه.‏

‏وأمّـا الـظهور الـثالـث فهو بحسب دلالـة الـمطابقـة متین جدّاً، وأمّا‏‎ ‎‏کونـه فی موقف نفی الـعذاب الألیم عن الـصفات، فإمّا لا یکون واضحاً، أو لـو‏‎ ‎‏صحّ ذلک فهو مخصوص ببعض الـصفات. والله الـعالـم.‏

‏ونعوذ بـه من هذه الـجحیمات الـثلاث، ولا سیّـما جحیم الـذات الـتی‏‎ ‎‏علیها الـخلود والـنار الأبدیـة. والله من ورائهم محیط.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 373

  • )) راجع الأسفار 9: 225 ـ 228 و290 ـ 296 .