سورة الفاتحة

المطلب السادس : فی عدم استناد الغضب والضلال إلیه تعالیٰ

المطلب السادس

‏ ‏

فی عدم استناد الغضب والضلال إلیه تعالیٰ

‏ ‏

‏من الـنکات الـملحوظـة فی هذه الآیات الـمؤدّبـة لـلإنسان: أنّ‏‎ ‎‏الأفعال الـمستندة إلـیـه تعالیٰ فی الـقرآن، کالضلال أو الـغضب أحیاناً،‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 191
‏والـمنتسبـة إلـیـه عزّوجلّ فی لـسانـه، لا تنتسب فی لـسان الـمخلوقین‏‎ ‎‏إلـیـه تعالیٰ فی مقام الإنشاء وإبراز الـعبودیّـة والـخضوع، فلو فرض أنّ‏‎ ‎‏الاُسلوب کان یقتضی عدم الالتفات من الـخطاب إلـیٰ الـغیبـة فی هذه‏‎ ‎‏الـمرحلـة، ولکن الالتفات لأجل هذه الـنکتـة ربّما کان لازماً، فإذا عظّم اللّٰهُ‏‎ ‎‏تعالیٰ الـعبدَ الـسالک بقولـه: ‏‏«‏أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ‏»‏‏ فلا یُناسب أن یتفوّه بقولـه:‏‎ ‎‏«غیر الـذین غضبتَ علیهم وغیر من أضللتَهم» بصورة الـخطاب.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ إسناد هذه الاُمور إلـیـه تعالیٰ وإن کان صحیحاً حسب ما‏‎ ‎‏یُتراءیٰ، ولکن ذلک الأدب فی الـکلام حین الـمخاطبـة أولیٰ بالمراعاة، مع ما‏‎ ‎‏سیمرّ علیک: أنّ الإتیان بصیغـة الـمجهول والـمفعول وبالاشتقاق، شاهد علیٰ‏‎ ‎‏أنّ الـضلال منشؤه الـضالّ، وأنّ الـمغضوبیّـة نشأت من سوء سریرة الـعبد،‏‎ ‎‏ولا یستفاد من هذه الآیـة أنّ الـغاضب علیهم هو اللّٰه تعالیٰ أو هم بأنفسهم؛ وإن‏‎ ‎‏کانت صورة الـغضب والـضلال ـ بما أنّهما من الـصور الـوجودیّـة ـ مستندة‏‎ ‎‏فی الـنظام الـکلّی إلـیـه تعالیٰ؛ بناءً علیٰ کونهما من الـموجودات، وإلاّ‏‎ ‎‏فالأعدام لـیست مجعولـة لأحد حتّیٰ تستند إلاّ مجازاً وتوسُّعاً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 192