سورة الفاتحة

غایة الهدایة کون الإنسان المنعم علیه

غایة الهدایة کون الإنسان المنعم علیه

‏ ‏

‏ومن الـمحاسن الـمستخرجـة من ذکر هذه الـجملـة عقیب قولـه‏‎ ‎‏تعالیٰ: ‏‏«‏إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ‏»‏‏: أنّ الـمطلوب هی الـهدایـة الـمنتهیـة‏‎ ‎‏إلـیٰ کون الإنسان من الـمُنعَم علیهم، فالهدایـة وإن کانت هی الـنعمـة، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏الـمراد ـ لـعدم لـزوم الـتکرار ـ هی الـهدایـة الـتی تکون مطلوبـة لـلوصول‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 189
‏إلـیٰ الـمُنعَم علیهم، وإلاّ فیلزم کون مفاد الآیـة هکذا: «اهدنا الـصراط‏‎ ‎‏الـمستقیم، صراطَ الـذین أنعمتَ علیهم نعمـة الـهدایـة؛ أی صراط‏‎ ‎‏الـمهتدین»، وهذا خلاف الـبلاغـة جدّاً، فالبلاغـة تقتضی أن تکون الآیـة‏‎ ‎‏الـکریمـة الـشریفـة بصدد الـمعنیٰ الآخر، وهو هکذا: «اهدنا الـصراط‏‎ ‎‏الـمستقیم هدایـة إلـیٰ الـمطلوب الأعلیٰ، صراط الـذین أنعمتَ علیهم‏‎ ‎‏وأتممت نعمـة الـهدایـة فی حقّهم». واللّٰه الـعالم بحقائق آیاتـه.‏

وإن شئت قلت:‏ الـهدایـة علیٰ أصناف وأقسام ربّما تبلغ إلـیٰ عشرة:‏

‏1 ـ الـهدایـة بنور الـفطرة الـمخمورة برفض الـحجب الـنورانیّـة‏‎ ‎‏والـظلمانیّـة فی الـسلوک إلـیٰ اللّٰه تعالیٰ، وعدم الابتلاء بالمعاصی والـذنوب‏‎ ‎‏الـقالَبیّـة والـقلبیّـة، ولا بحجاب الـکثرات الأفعالیّـة والأسمائیّـة.‏

‏2 ـ الـهدایـة بنور الـشریعـة والاهتداء بأصل الـتشریع الإلهی‏‎ ‎‏والـرسالـة الإلهیّـة.‏

‏3 ـ الـهدایـة بنور الإسلام والإقرار بـه لـساناً وقلباً.‏

‏4 ـ الـهدایـة بنور الـقرآن، والاعتقاد بأنّـه تبیان کلّ شیء لا یتوقّف‏‎ ‎‏فیـه علیٰ ظواهره برفض حقائقـه، ولا یدخل بالتخیّلات الـشیطانیّـة فی‏‎ ‎‏الآیات الـقرآنیّـة؛ بالتأویلات الـباردة والـتفسیرات الـمضحکـة الـمحرّمـة،‏‎ ‎‏بل یأخذ الـقرآن کتاب الـتفکّر والـتدبر، ویجده کتاب الـهدایـة والاستکمال،‏‎ ‎‏ویرقیٰ بـه إلـیٰ آخر منازل الـسیر والـسلوک بقدم الـمعرفـة والإیمان، فلا‏‎ ‎‏یکون من الـمُفْرِطین ولا من الـمُفرِّطین، لا من الـذین لـعبوا بآیاتـه حسب‏‎ ‎‏شهواتهم، ولا من الـجامدین الـمنکرین لـجواز الـنظر فیـه والـتدبّر فی‏‎ ‎‏مُحْکَماتـه، بل یهتدی بهدایـة الـقرآن، ویأخذ حدّ الـعدالـة والـطریقـة‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 190
‏الـوسطیٰ.‏

‏5 ـ الـهدایـة بنور الإیمان وإبراق الـقلب: برسوخ الـحقائق الإدراکیّـة‏‎ ‎‏فی قلبـه، وصیرورتها مَلَکةً فیـه حتّیٰ یبلغ أن یصیر عرش الـرحمٰن، فإنّ قلب‏‎ ‎‏الـمؤمن عرش الـرحمٰن‏‎[1]‎‏.‏

‏6 ـ الـهدایـة بنور الـیقین فی جمیع نشآتـه.‏

‏7 ـ الـهدایـة بنور الـعرفان.‏

‏8 ـ الـهدایـة بنور الـعشق والـمحبّـة.‏

‏9 ـ الـهدایـة بنور الـولایـة.‏

‏10 ـ الـهدایة بنور الـتجرید والـتفرید والـتوحید.‏

‏ولکلّ واحد من هذه الأنحاء ـ مضافاً إلیٰ الـمراتب ـ حدّ إفراط وتفریط.‏

‏فعلیٰ هذا تکون الـهدایـة الـمطلوبـة فی قولـه: ‏‏«‏إِهْدِنَا الصِّرَاطَ‎ ‎الْمُسْتَقِیمَ‏»‏‏الـهدایات الابتدائیّـة، والـنعمـة الـتی أنعم اللّٰه تعالیٰ علیهم هی‏‎ ‎‏الـهدایـة الـحقیقیّـة، والـهدایات الـتی تکون فی اُخریات الـسلوک.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 191

  • )) اُنظر بحار الأنوار 55 : 39 / 61 .