الوجه الرابع
حول نسبة الزیادة إلیٰ الله تعالیٰ
اختلفوا فی کیفیـة نسبـة الـزیادة الـیـه تعالـیٰ؛ وأنّها نسبـة حقیقیـة أم مجازیـة، وعلیٰ تقدیر کونها حقیقیـة، فهل الـزیادة فعل الله تعالـیٰ، أو إمهالـهم وابقائهم فی کفرهم؛ من غیر إعانتهم فی توغّلهم فی الـکفر والـنفاق؟
أقول: ربّما یمکن أن یقال: إنّ هذه الـجملـة دعائیـة کما عن ابی مسلم الأصفهانی، فیسقط الـبحث الـمزبور؛ لـما لـیس فیـه إلاّ الـدعاء علیهم، کما یقال: «قَاتَلَهُمُ الله ُ أَنَّیٰ یُؤْفَکُونَ».
ولکن الإنصاف: أنّها خلاف الـظاهر؛ لـمکان الـفاء. هذا، مع أنّ من الـممکن أن یکون هو من الـدعاء الـنافذ، ولیس مجرّد شعار وهتاف علیهم بإظهار الاشمئزاز منهم، بل هو الـدعاء الـمستجاب، فیتضمّن الإخبار مع کونـه إنشاءً، وکأنّـه إخبار فی صورة الإنشاء وبالـعکس، أو یکون جملـة «فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ»دعاء، وجملـة «فَزَادَهُمُ الله ُ مَرَضاً» إخبار عن استجابـة
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 353
الـدعاء فعلیٰ کلّ تقدیر لابدّ من حلّ مشکلـة الـنسبـة، وأنّها هل هی علیٰ نعت الـحقیقـة أم الـمجاز؟ وقد عرفت فی الـوجـه الـسابق: أنّ أصالـة الـحقیقـة محفوظـة إلاّ مع قیام الـقرینـة علیٰ خلافها.
إن قلت: أیّـة قرینـة أقویٰ من منع الـعقل جواز نسبـة زیادة الـمرض ـ الـذی هو الـشرّ ـ الـیـه تعالـیٰ وتقدّس الـمحمود فی فعالـه؛ من غیر فرق بین کون الـمراد من الـمرض الـکفر والـنفاق والـشکّ والـشقاق أو کان الـمراد منـه الـغمّ والـحزن، کما عن أبی علی الـجبائی؛ تخیّـلاً أنّ بذلک تنحلّ الـمعضلـة، فإنّـه علیٰ کلّ تقدیر لا یسند الـیـه الـشرّ بالـضرورة إلاّ مجازاً وتوسعـة.
قلت: قد مرّ منّا ـ فی مواطن کثیرة ـ کیفیّـة صحّـة انتساب الأفعال والآثار الـیـه تعالـیٰ؛ من غیر أن [یُمسّ] مقامـه الـشامخ، أو تلزم الـمجازیـة فی الإسناد، وسیمرّ علیک فی الـبحوث الـفلسفیـة توضیحـه أیضاً.
وإجماله: أنّ الـفیض الـنازل یختلف أثراً وجهـة؛ لأجل اختلاف الاستعدادات، الـذی یستند الـیٰ اختلاف الـناس فی الأفعال والأعمال، فربّما یکون فی الـقلب مرض هو نطفـة الأمراض الاُخر، ولکنّها حصلت بسوء الاختیار من ناحیـة الـمریض أو آبائـه واُمّهاتـه، وإذا زُرعت الـنطفـة الـظُّلمانیـة فی أرض الـنفس الإنسانیـة، فهو کزرع الـحنظل لا ینمو ولا یزداد إلاّ ما هو من سنخ الـحنظل والـنطفـة؛ قضاءً لـحقّ الـسنخیـة الـموجودة بین الـعلل والآثار، کما قال الـشاعر:
گندم از گندم بروید جو ز جو
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 354
فلا معنیٰ لأن یُترقَّب ـ بعد تنمیـة تلک الـنطفـة الـقذرة الـمحجوبـة الـمغلوطـة وزرعها ـ غیر الـکفر والـنفاق زیادة ونماء وثمرة وأثراً.
ولأجل الإیماء الـیٰ هذه الـمائدة الـملکوتیـة قال الله تعالـیٰ: «فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ»من غیر أن یکون مستنداً الـیـه تعالـیٰ أو مستنداً الـیٰ أنفسهم بالـخصوص؛ لإمکان کونـه وراثـة من آبائهم الـسیئـة واُمّهاتهم الـمنحرفـة، ثمّ قال: «فَزَادَهُمُ الله ُ مَرَضاً»؛ ضرورة أنّ الـعالَم علیٰ ترتیب الأسباب والـمسبّبات، فلا یلومون إلاّ أنفسهم أو آباءهم.
وغیر خفیّ: أنّ فعال الآباء والاُمّهات أیضاً لـیس علّـة تامّـة حتّیٰ یقع الـمریض فی الـجبر والـتسخیر، بل الـمرض الـمزبور من الـعلل الإعدادیـة.
وما أبرد الـسدّیّ حیث قال: بأنّ الآیـة هکذا: زادتهم عداوة الله مرضاً؛ بحذف الـمضاف، کما فی قولـه تعالـیٰ: «فَوَیْلٌ لِلْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ الله ِ» أی من ترک ذکر الله ، مع أنّ ما تخیّـلـه فی الـمقیس علیـه غیر صحیح، فضلاً عن الـمقام، فتأمّل الـتأمّل الـتامّ؛ لأنّـه مزالّ الأقدام.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 355