سورة الفاتحة

المسألة الاُولیٰ : حول کلمة «أنعمت»

المسألة الاُولیٰ

‏ ‏

حول کلمة «أنعمت»

‏ ‏

‏الـنعمـة : الـمال، کما عن الـصحاح، یقال: فلان واسع الـنعمـة؛ أی‏‎ ‎‏واسع الـمال‏‎[1]‎‏.‏

‏قال الـرازی: الـنعمـة : الـمنفعـة الـمفعولـة علیٰ جهـة الإحسان إلـیٰ‏‎ ‎‏الـغیر. قال: فخرج بالمنفعـة الـمضرّةُ الـمخفیّـة والـمنفعـة الـمفعولـة لا علیٰ‏‎ ‎‏جهـة الإحسان إلـیٰ الـغیر؛ بأن قصدالـفاعل نفسـه، کمن أحسن إلـیٰ جاریـة‏‎ ‎‏لیربح فیها‏‎[2]‎‏. انتهیٰ.‏

‏وقال الـراغب: الإنعام : إیصال الإحسان إلـیٰ الـغیر، ولا یقال إلاّ إذا کان‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 151
‏الموصَل إلیه من جنس الناطقین؛ فإنّه لا یقال: أنعم فلان علیٰ فرسـه‏‎[3]‎‏. انتهیٰ.‏

‏وفی الـمنجد: أنعم اللّٰه الـنعمـة علیـه، وأنعمـه بالنعمـة؛ أوصلها‏‎ ‎‏إلـیـه‏‎[4]‎‏. انتهیٰ.‏

‏وفی الأقرب: أنعم؛ أفضل وزاد، والـقومَ: أتاهم متنعّماً علیٰ قدمیـه حافیاً‏‎ ‎‏علیٰ غیر دابّـة، وصدیقَـه: شیّعـه حافیاً، وفی الأمر: بالغ کأمْعَنَ‏‎[5]‎‏. انتهیٰ.‏

‏والـذی یحصل من مجموع ما فی کتب الـلغـة: أنّ الـنعمـة: إمّا أعمّ من‏‎ ‎‏الـمال، ویشهد لـه الإنعام بمعنیٰ الـتشییع حافیاً أو هیئـة باب الإفعال لا تدلّ‏‎ ‎‏علیٰ بذل الـنعمـة؛ بمعنیٰ الـمال، بل هی بمعنیٰ الـتفضیل والازدیاد، فإذا قیل:‏‎ ‎‏أنعِمْ علیّ؛ أی بلا ذکر متعلّقـه، فهو لـیس ظاهراً فی طلب الـمال أو الـعلم أو‏‎ ‎‏شیء آخر، بل هی من هذه الـجهـة مبهمـة تحتاج إلـیٰ مبیّن، ولیس مفاد‏‎ ‎‏الـهیئـة لأجل کون الـمادّة الـنعمـة، وهی بمعنیٰ الـمال؛ أی أعطنی الـمال،‏‎ ‎‏کما عرفت فی مطاوی کلماتهم الـمحکیّـة بألفاظها.‏

‏وقضیـة الـموارد الـواردة فی الـکتاب الإلهی بکثرتها، أنّها کثیراً ما‏‎ ‎‏اُطلِقت علیٰ غیر الـمال من الاُمور الاُخر الـدنیویّـة والاُخرویّـة.‏

‏والـذی یستظهر: أنّ الـنعمـة أعمّ من الـمال؛ لـما نجد صحّـة إطلاقها‏‎ ‎‏علیٰ الـعقل والـعلم والـعمل وغیر ذلک، ویشهد لـه قولـه تعالی: ‏‏«‏وَاذْکُرُوا‎ ‎نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَیْکُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنَ الْکِتَابِ‏»‏‎[6]‎‏، ‏‏«‏وَاذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَیْکُمْ‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 152
إذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ‏»‏‎[7]‎‏ وغیر ذلک من الآیات الـکثیرة، ولا سیّما‏‎ ‎‏فی مورد إطلاق الـنعمـة مقابل الـضرّ، کما فی قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏وَمَا بِکُمْ مِنْ‎ ‎نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْأَرُونَ‏»‏‎[8]‎‏، والـضرّ هو الـمشقّـة‏‎ ‎‏والـحرج، ومثلـه الـنعماء والـضرّاء.‏

‏وأمّا توهّم: أنّ الإنعام هو الإعطاء أو الازدیاد والـتفضیل؛ لـقولـه تعالیٰ:‏‎ ‎‏«‏أُذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ‏»‏‎[9]‎‏ فإنّ تکرار الـمادّة شاهد علیٰ أنّ‏‎ ‎‏«أنعمتُ» بمعنیٰ أعطیتُ، فهو من الـغفلـة عن حسن الاستعمالات، ولقد ورد‏‎ ‎‏فی الأدعیـة والاستعمالات الـصحیحـة: ‏«کلّ ذنب أذنبته وکلّ خطیئةٍ‎ ‎أخطأتها»‎[10]‎‏ فإنّ الـتجرید من الـمحسِّنات فی الأسالیب الـمشهورة، ومن ذلک:‏‎ ‎«کلّ جُرم أجرمتُه» ‏وغیره، فقولـه تعالیٰ: ‏‏«‏ذٰلِکَ بِأَنَّ اللّٰهَ لَمْ یَکُنْ مُغَیِّراً نِعْمَةً‎ ‎أَنْعَمَهَا عَلَیٰ قَوْمٍ‏»‏‎[11]‎‏، من هذا الـقبیل.‏

‏وأمّا ما فی «مفردات الـراغب»‏‎[12]‎‏ فهو غیر مبرهن، فإنّ الـنعمـة إذا کانت‏‎ ‎‏من مصادیقها الـمال، فیمکن اختصاص الـمال بالحیوان، ویکون هو لـه نعمـة‏‎ ‎‏بالضرورة، فلا یُشترط کون الـمنعَم علیـه من الـناطقین.‏

‏نعم، الـنعمـة وإن کانت معناها الأعمّ، ولکن الـظاهر أنّها الأموال أو‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 153
‏غیرها ممّا یحصل مجّاناً؛ وبلا عوض مطلقاً حتّیٰ الـعوض الـمعنوی، بل لا‏‎ ‎‏یبعد کونها مخصوصـة بما إذا حصلت من غیر سؤال واستیجاب، وحیث إنّ‏‎ ‎‏الـکتاب محفوف باستعمالها مضافاً إلـیـه تعالیٰ، یمکن استکشاف أنّها بالنسبـة‏‎ ‎‏إلـیٰ غیره تعالیٰ غیر ممکنـة؛ لأنّ غیره یرید الـجزاء أو یُعطی بعدما یُسأل،‏‎ ‎‏ولعلّ إلـیٰ ذلک یُشیر قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَیٰ‏»‏‎[13]‎‏،‏‎ ‎‏فلیتأمّل جیّداً.‏

ودعویٰ:‏ أنّ الـنعمـة هی الـمال فاستُعیرت لـغیرها‏‎[14]‎‏، غیر مسموعـة؛‏‎ ‎‏لأنّـه خلاف الأصل، ولا یُعوَّل علیٰ قول لُغویٍّ مع قلّـة اطّلاعهم علیٰ حقیقـة‏‎ ‎‏الـمعنیٰ وسعتـه وضیقـه.‏

‏وعلیٰ کلّ تقدیر: لا یُتبادَر من قولنا: اهدنا صراط من أنعمت علیـه؛ أی‏‎ ‎‏صراط من بذلتَ لـهم الـمال والـنعمـة قطعاً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 154

  • )) الصحاح 5 : 2041 .
  • )) التفسیر الکبیر 1 : 258 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 499 .
  • )) المنجد : 820 .
  • )) أقرب الموارد 2 : 1321 .
  • )) البقرة (2) : 231 .
  • )) آل عمران (3) : 103 .
  • )) النحل (16) : 53 .
  • )) البقرة (2): 40 و 47 و 122 .
  • )) راجع دعاء کمیل بن زیاد عن أمیر المؤمنین علیه السلام .
  • )) الأنفال (8) : 53 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 499 .
  • )) اللیل (92) : 19 .
  • )) اُنظر لسان العرب 12 : 579 ، والقاموس المحیط : 1500 .