المسألة الاُولیٰ
حول کلمة «أنعمت»
الـنعمـة : الـمال، کما عن الـصحاح، یقال: فلان واسع الـنعمـة؛ أی واسع الـمال.
قال الـرازی: الـنعمـة : الـمنفعـة الـمفعولـة علیٰ جهـة الإحسان إلـیٰ الـغیر. قال: فخرج بالمنفعـة الـمضرّةُ الـمخفیّـة والـمنفعـة الـمفعولـة لا علیٰ جهـة الإحسان إلـیٰ الـغیر؛ بأن قصدالـفاعل نفسـه، کمن أحسن إلـیٰ جاریـة لیربح فیها. انتهیٰ.
وقال الـراغب: الإنعام : إیصال الإحسان إلـیٰ الـغیر، ولا یقال إلاّ إذا کان
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 151
الموصَل إلیه من جنس الناطقین؛ فإنّه لا یقال: أنعم فلان علیٰ فرسـه. انتهیٰ.
وفی الـمنجد: أنعم اللّٰه الـنعمـة علیـه، وأنعمـه بالنعمـة؛ أوصلها إلـیـه. انتهیٰ.
وفی الأقرب: أنعم؛ أفضل وزاد، والـقومَ: أتاهم متنعّماً علیٰ قدمیـه حافیاً علیٰ غیر دابّـة، وصدیقَـه: شیّعـه حافیاً، وفی الأمر: بالغ کأمْعَنَ. انتهیٰ.
والـذی یحصل من مجموع ما فی کتب الـلغـة: أنّ الـنعمـة: إمّا أعمّ من الـمال، ویشهد لـه الإنعام بمعنیٰ الـتشییع حافیاً أو هیئـة باب الإفعال لا تدلّ علیٰ بذل الـنعمـة؛ بمعنیٰ الـمال، بل هی بمعنیٰ الـتفضیل والازدیاد، فإذا قیل: أنعِمْ علیّ؛ أی بلا ذکر متعلّقـه، فهو لـیس ظاهراً فی طلب الـمال أو الـعلم أو شیء آخر، بل هی من هذه الـجهـة مبهمـة تحتاج إلـیٰ مبیّن، ولیس مفاد الـهیئـة لأجل کون الـمادّة الـنعمـة، وهی بمعنیٰ الـمال؛ أی أعطنی الـمال، کما عرفت فی مطاوی کلماتهم الـمحکیّـة بألفاظها.
وقضیـة الـموارد الـواردة فی الـکتاب الإلهی بکثرتها، أنّها کثیراً ما اُطلِقت علیٰ غیر الـمال من الاُمور الاُخر الـدنیویّـة والاُخرویّـة.
والـذی یستظهر: أنّ الـنعمـة أعمّ من الـمال؛ لـما نجد صحّـة إطلاقها علیٰ الـعقل والـعلم والـعمل وغیر ذلک، ویشهد لـه قولـه تعالی: «وَاذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَیْکُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنَ الْکِتَابِ»، «وَاذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَیْکُمْ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 152
إذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ» وغیر ذلک من الآیات الـکثیرة، ولا سیّما فی مورد إطلاق الـنعمـة مقابل الـضرّ، کما فی قولـه تعالیٰ: «وَمَا بِکُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْأَرُونَ»، والـضرّ هو الـمشقّـة والـحرج، ومثلـه الـنعماء والـضرّاء.
وأمّا توهّم: أنّ الإنعام هو الإعطاء أو الازدیاد والـتفضیل؛ لـقولـه تعالیٰ: «أُذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ» فإنّ تکرار الـمادّة شاهد علیٰ أنّ «أنعمتُ» بمعنیٰ أعطیتُ، فهو من الـغفلـة عن حسن الاستعمالات، ولقد ورد فی الأدعیـة والاستعمالات الـصحیحـة: «کلّ ذنب أذنبته وکلّ خطیئةٍ أخطأتها» فإنّ الـتجرید من الـمحسِّنات فی الأسالیب الـمشهورة، ومن ذلک: «کلّ جُرم أجرمتُه» وغیره، فقولـه تعالیٰ: «ذٰلِکَ بِأَنَّ اللّٰهَ لَمْ یَکُنْ مُغَیِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَیٰ قَوْمٍ»، من هذا الـقبیل.
وأمّا ما فی «مفردات الـراغب» فهو غیر مبرهن، فإنّ الـنعمـة إذا کانت من مصادیقها الـمال، فیمکن اختصاص الـمال بالحیوان، ویکون هو لـه نعمـة بالضرورة، فلا یُشترط کون الـمنعَم علیـه من الـناطقین.
نعم، الـنعمـة وإن کانت معناها الأعمّ، ولکن الـظاهر أنّها الأموال أو
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 153
غیرها ممّا یحصل مجّاناً؛ وبلا عوض مطلقاً حتّیٰ الـعوض الـمعنوی، بل لا یبعد کونها مخصوصـة بما إذا حصلت من غیر سؤال واستیجاب، وحیث إنّ الـکتاب محفوف باستعمالها مضافاً إلـیـه تعالیٰ، یمکن استکشاف أنّها بالنسبـة إلـیٰ غیره تعالیٰ غیر ممکنـة؛ لأنّ غیره یرید الـجزاء أو یُعطی بعدما یُسأل، ولعلّ إلـیٰ ذلک یُشیر قولـه تعالیٰ: «وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَیٰ»، فلیتأمّل جیّداً.
ودعویٰ: أنّ الـنعمـة هی الـمال فاستُعیرت لـغیرها، غیر مسموعـة؛ لأنّـه خلاف الأصل، ولا یُعوَّل علیٰ قول لُغویٍّ مع قلّـة اطّلاعهم علیٰ حقیقـة الـمعنیٰ وسعتـه وضیقـه.
وعلیٰ کلّ تقدیر: لا یُتبادَر من قولنا: اهدنا صراط من أنعمت علیـه؛ أی صراط من بذلتَ لـهم الـمال والـنعمـة قطعاً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 154