سورة الفاتحة

المسألة الرابعة : حول عمومیة الصراط

المسألة الرابعة

‏ ‏

حول عمومیة الصراط

‏ ‏

‏لا شبهـة فی أنّ الـطرق إلـیٰ الـشیء کثیرة؛ مستقیمـة ومعوجّـة، قریبـة‏‎ ‎‏وبعیدة، وأنّ الاستقامـة تکون حقیقیّـة وإضافیّـة. وعلیٰ هذا فهل الألف والـلام‏‎ ‎‏الـواردین علیٰ الـجنس یفیدان الاستغراق؛ أی اهدنا جمیع أنحاء الـصُّرُط‏‎ ‎‏الـمستقیمـة الـحقیقیّـة والإضافیّـة؛ فی مقابل مالا یکون طریقاً رأساً ولا‏‎ ‎‏سبیلاً إلـیٰ الـمطلوب الـذاتی والـمأمول الأصلی؟ أم الألف والـلام لا یدلاّن‏‎ ‎‏علیـه، ولکن مقدّمات الـحکمـة تدلّ علیٰ أنّ الـمطلوب هی الـهدایـة إلـیٰ‏‎ ‎‏طبیعـة الـصراط ولا یخصّ ذلک بصراط خاصّ، کما إذا قال: أکرم الـعالم، فإنّ‏‎ ‎‏تلک الـمقدّمات تفید ـ حسب ما تحرّر فی الاُصول ـ أنّ موضوع الـطلب‏‎ ‎‏والـحکم نفس طبیعـة إکرام الـعالم؛ من غیر نظر إلـیٰ خصوصیّـة فی الإکرام‏‎ ‎‏أو الـعالم؟ وهذا هو الـتحقیق فی محلّـه.‏

‏فإذا وصف الـصراط بالاستقامـة فلابدّ وأن یُراد منـه الاستقامـة‏‎ ‎‏الـحقیقیّـة وإلاّ یکفی طلب الـصراط؛ لأنّ الـمستقیم وغیر الـمستقیم ـ أی‏‎ ‎‏الـمستقیم الـحقیقی وغیر الـحقیقی ـ مشترک فی کونهما صراطاً إلـیٰ‏‎ ‎‏الـمطلوب الأصلی، فیعلم من هنا: أنّ الـنظر فی هذا الـتقیید إلـیٰ إخراج‏‎ ‎‏الـصُّرُط الـغیر الـمستقیمـة والإضافیـة عن دائرة الـطلب؛ وحصر الـمطلوب‏‎ ‎‏فی الـصُّرُط الـمستقیمـة الـحقیقیّـة؛ حذراً عن لـزوم کون الـقید غیر‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 98
‏احترازیّ، کما لا یخفیٰ.‏

فتحصّل:‏ أنّ حسب الـصناعـة الـعلمیّـة أنّ الـصراط جنس والاستقامـة‏‎ ‎‏قید احترازیّ، وتکون حقیقیّـة، لا أعمّ منها ومن الإضافیّـة.‏

إن قلت:‏ اعوجاج الـطرق فی الـسفر الـمعنوی إلـیٰ مملکـة الـوجود‏‎ ‎‏والـحب، غیر اعوجاجها فی الأسفار الـمادّیّـة إلـیٰ الـممالک الـملکیّـة، فإنّ‏‎ ‎‏الاعوجاج الـثانی لا یُنافی الـوصول فی منتهیٰ الـسیر إلـیٰ غایـة الـمأمول‏‎ ‎‏ونهایـة الـمسؤول، بخلاف الاعوجاج الأوّل، فإنّـه یساوق سقوط الـطریق عن‏‎ ‎‏الـطریقیّـة والـصراط عن الـهدایـة رأساً وکلاًّ، فعلیٰ کلّ تقدیر الـتقیید‏‎ ‎‏الـمزبور لـیس احترازیّاً؛ لأنّ إراءة الـطریق الـغیر الـمستقیم لـیس بهدایـة،‏‎ ‎‏فإذا کان الـمطلوب هی الـهدایـة إلـیٰ الـصراط فلابدّ وأن یکون ذلک مستقیماً.‏

قلت:‏ نعم إلاّ أنّ الاعوجاج فی الـطرق الـمعنویّـة والأسفار الـروحیّـة،‏‎ ‎‏لا یلازم سقوط الـطریق عن الـطریقیّـة، مثلاً: الـطائفـة الأخباریّـة،‏‎ ‎‏والـطائفـة الاُصولیّـة، والـطائفـة الـثالثـة من أرباب الـفلسفـة، أو أصحاب‏‎ ‎‏الـعرفان والإیقان، وغیرهم من سائر الـفرق الـمشتغلین فی تحصیل‏‎ ‎‏الـکمالات الـمختلفـة، کلّ تؤدّی إلـیٰ الـحقّ وإلـیٰ الـجنّـة الـحقیقیّـة مثلاً،‏‎ ‎‏إلاّ أنّ أحقّیّـة إحداهما من الاُخریٰ غیر واضحـة، فتلک الـصُّرُط والـطُّرُق وإن‏‎ ‎‏تنتهی فی آخر الـسفر إلـیٰ محلّ واحد ومکان فارد، ولکنّها مختلفـة فی‏‎ ‎‏الـقرب والـبعد وفی الـصحّـة والـسُّقْم؛ وإن کان الـکلّ مشترک الـوصول‏‎ ‎‏إلـیٰ غایـة الـمأمول ونهایـة الـمسؤول. نعم الاعوجاج عن اُصول الـطرق ـ‏‎ ‎‏کالاعوجاج عن الإسلام والإیمان ـ یساوق سقوط الـطریق عن الـطریقیّـة،‏‎ ‎‏ویستلزم الـخروج عن طبیعـة الـهدایـة الـمطلوبـة، فعلیٰ هذا لا یکون‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 99
‏الـتقیید الـمزبور خلاف الأصل فی الـقیود، وهو الاحتراز.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 100