سورة الفاتحة

المسألة الثانیة : استعمال الصراط فی الطرق المعنویة

المسألة الثانیة

‏ ‏

استعمال الصراط فی الطرق المعنویة

‏ ‏

‏حسب ما تحرّر واُشیر إلـیـه إنّ الـصراط بمعنیٰ الـطریق والـسبیل‏‎ ‎‏والـجادّة، والـظاهر من کتب الـلغـة هی الـجادّة الـخارجیّـة الـموجودة بین‏‎ ‎‏الـبلاد والـقصبات وبین الـشوارع والـبیوت، فاستعمالـه فی الـطرق‏‎ ‎‏الـمعنویّـة والـسبل الـروحیّـة من الـمجاز، کما یتخیّل فی أمثال الـمقام،‏‎ ‎‏ولأجل الـفرار عن الـمجازیّـة، أو لأجل بعض الاُمور الاُخر، اشتهر بین أرباب‏‎ ‎‏الـعلوم الـروحیّـة والـعرفانیّـة: أنّ الألفاظ موضوعـة لـلمعانی الـعامّـة، ولا‏‎ ‎‏تکون مقصورة علیٰ الـمعانی الـخاصّـة.‏

‏وأنت ـ فیما سبق منّا ـ أحطت خُبراً: بأنّ هذه الـمقالـة خارجـة عن‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 94
‏حدود وضع الـلّغات والألفاظ، ولاینبغی لـهم الـتدخّل فیها، لأنّـه یورث‏‎ ‎‏الـضلالـة، ویستـتبع الـغیّ عن سبیل الـحقّ؛ ضرورة أنّ الألفاظ فی حدود‏‎ ‎‏الـوضع تابعـة لـمقدار حدود إرادة الـواضع أو الـمستعملین الـعرفیّـین فیما إذا‏‎ ‎‏کان الـوضع یحصل بالاستعمال.‏

‏نعم لا یلزم علیٰ هذا الـمجازُ الـلغوی الـمشهور بین أبناء الأدب؛ من‏‎ ‎‏کون الـلفظ مستعملاً فی غیر الـمعنیٰ الـموضوع لـه، بل الـحقّ أنّ الألفاظ فی‏‎ ‎‏جمیع الـمجازات تستعمل فی معانیها الـلغویّـة حسب الإرادة الاستعمالیـة،‏‎ ‎‏وإنّما تختلف الـدواعی والـمرادات الـجدّیّـة: فتارة یرید الـمولیٰ من الـلفظ‏‎ ‎‏بالإرادة الـجدّیّـة نفس الـمراد بالإرادة الاستعمالیّـة، واُخریٰ لا یکون الأمر‏‎ ‎‏کذلک، بل یرید انتقال الـمخاطب والـسامع إلـیٰ الـمعنیٰ الـمقصود بالذات،‏‎ ‎‏فإذا قیل: فاسألوا الْقَرْیَةَ فلا یکون هناک استعمال أو ربط مجازیّ بحسب الإرادة‏‎ ‎‏الاستعمالیـة؛ وإن کان الـمراد الـحقیقی أمراً آخر.‏

‏وهناک فی الـکلمات الـبلیغـة وأشعار الـبُلَغاء والاُدَباء ـ وفی خصوص‏‎ ‎‏الاستعمالات الـقرآنیّـة ـ وجـه آخر وهو : الـحقیقـة الادّعائیّـة؛ بمعنیٰ أنّ‏‎ ‎‏الـمتکلّم یتخیّل الـمعانی والـحقائق الـعرفانیّـة الـعقلیّـة ذات الأبعاد، ویتخیّل‏‎ ‎‏بین الإنسان وتلک الـروحانیّات الـجوادَّ والـطُّرُقَ، فیدّعی أنّـه الـسبیل،‏‎ ‎‏فیستعمل فیـه الـصراط، فلا یکون مجازاً راساً؛ أی استعمل الـلفظ فیما هو‏‎ ‎‏الـموضوع لـه؛ بدعویٰ: أنّ هذا من الـموضوع لـه؛ أی من مصادیق ذلک‏‎ ‎‏الـکلّی. وغیر خفیّ أنّ استعمال الـلفظ الـموضوع لـلکلّی فی الـفرد الـخاصّ‏‎ ‎‏منـه ـ ولو کان فرداً حقیقیّاً ـ مجاز، بل الـلفظ یستعمل فی الـکلّی، وهو ینطبق‏‎ ‎‏علیـه طبعاً، فلا تخلط.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 95