سورة الفاتحة

المسألة الاُولیٰ : حول معنیٰ الهدایة

المسألة الاُولیٰ

‏ ‏

حول معنیٰ الهدایة

‏ ‏

‏هداه، یهدیـه، هُدیً وهَدْیاً وهدایـة وهِدْیـة ـ واویّ ـ فَهَدیٰ هو؛ أی‏‎ ‎‏أرشده فاسترشد، ضدّ الـضلال ـ لازم ومتعدٍّ ـ أو هی الـرشاد والـدلالـة بلطف‏‎ ‎‏إلـیٰ ما یوصل إلـیٰ الـمطلوب‏‎[1]‎‏. وهی مؤّنثـة، وقد تُذکّر، کما فی‏‎ ‎‏«الـصحاح»‏‎[2]‎‏. وعن ابن جنّی، قال الـلحیانی: الـهُدیٰ مذکّر، قال: وقال‏‎ ‎‏الـکسائی: بعض بنی أسد تُؤنّثـه‏‎[3]‎‏.‏

‏وفی الـکتاب تارة استُعملت لازمـة: ‏‏«‏وَیَزِیدُ اللّٰهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 71
هُدیً‏»‏‎[4]‎‏، واُخریٰ جاءت متعدّیـة بمفعول واحد: ‏‏«‏فَاهْدُوهُمْ إلَیٰ صِرَاطِ‎ ‎الْجَحِیم‏»‏‎[5]‎‏، وثالثـة إلـیٰ مفعول ثانٍ: ‏‏«‏أَوَلَمْ یَرَوْا أَنَّهُ لاَیُکَلِّمُهُمْ وَلاَ یَهْدِیهِمْ‎ ‎سَبِیلاً‏»‏‎[6]‎‏، وربّما یتعدّیٰ بالحرف إلـیٰ ثالث: ‏‏«‏وَیَهْدِیْهِمْ إِلَیْهِ صِرَاطاً‎ ‎مُسْتَقِیماً‏»‏‎[7]‎‏.‏

‏وعن الـجوهری: هداه الـطریق، لـغـة الـحجاز‏‎[8]‎‏. قال ابن بری: فیُعدّیٰ‏‎ ‎‏إلـیٰ مفعولین‏‎[9]‎‏.‏

‏والـذی یظهر لـی هنا أمران:‏

أحدهما:‏ أنّ الـهدایـة لـیست فی الاستعمالات إلاّ متعدّیـة، ولا تجیء‏‎ ‎‏لازمـة، خلافاً لـما فی کتب الـلغـة؛ لأنّ تلک الـکتب قاصرة عن الاستدلال،‏‎ ‎‏وما استدلّ بـه فی «تاج الـعروس» من قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏وَیَزِیدُ اللّٰهُ‏»‏‏، وفی‏‎ ‎‏موضع آخر: ‏‏«‏والَّذِینَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدیً‏»‏‎[10]‎‏،‏‎[11]‎‏ غیر مستقیم؛ لأنّ من‏‎ ‎‏الـممکن أن یجیء الـمصدر بمعنیٰ اسم الـمصدر؛ أی کثیراً ما یُطلق الـمصدر‏‎ ‎‏ویُراد منـه الـمعنیٰ الـحاصل منـه، الـمعروف باسم الـمصدر.‏


کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 72
‏وأمّا قولـه تعالیٰ: ‏‏«‏أَفَمَنْ یَهْدِی إلَیٰ الْحَقِّ‏»‏‎[12]‎‏، فالمفعول هناک‏‎ ‎‏محذوف؛ لأنّ الـنظر إلـیٰ الـمهدیّ إلـیـه دون الـمهدیّ، وإلاّ فلا یُعقل أن‏‎ ‎‏یهدی الـرجلُ إلـیٰ الـحقّ إلاّ مع وجود الـمهدیّ.‏

وتوهّم:‏ أنّ الـمقصود معناه الـلازم فاسد جدّاً؛ لـما فی ذیلـه: ‏‏«‏أَحَقُّ أنْ‎ ‎یُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ یَهِدِّی إِلاَّ أَنْ یُهْدَیٰ‏»‏‏. هذا، مع أنّ الالتزام بتعدّد المعنیٰ یستلزم تعدّد‏‎ ‎‏الوضع، وهوخلاف الأصل، فعلیٰ هذا الهدایة متعدّیة إلیٰ المفعول الأوّل بنفسها.‏

ثانیهما:‏ قد تقرّر منّا مراراً أنّ الـلزوم والـتعدیـة من طوارئ الـمعانی،‏‎ ‎‏ولیست من عوارض الألفاظ، فمجرّد الإتیان بالمفعول الـثانی بدون وساطـة‏‎ ‎‏الـحروف، لا یکفی لـکون الـلفظ من الـمتعدّی إلـیٰ الـمفعولین، ففی قولهم:‏‎ ‎‏«هداه اللّٰهُ الـطریقَ» حذف الـجارّ، کما هو کثیر فی الاستعمالات والأسالیب‏‎ ‎‏«‏وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً یَبْکُونَ‏»‏‎[13]‎‏ والـضرورة قاضیـة بأنّ الـمجیء لازم،‏‎ ‎‏فقولـه تعالیٰ: ‏‏«‏یَهْدِیَکَ صِرَاطاً مُسْتَقِیماً‏»‏‎[14]‎‏ محمول علیٰ تعدیـة الـهدایـة‏‎ ‎‏بغیر الـلام و «إلـیٰ»؛ لأنّ معناه: أنّـه تعالیٰ یهدیهم إلـیٰ فضلـه ورحمتـه، أو‏‎ ‎‏إلـیٰ نفسـه وذاتـه بالصراط الـمستقیم.‏

‏ومن الـممکن أن یقال: إنّ قولـه: ‏‏«‏صِرَاطاً مُسْتَقِیماً‏»‏‏ بدل أو عطف‏‎ ‎‏بیان؛ أی یهدیهم إلـیـه بهدایتهم إلـیٰ الـصراط الـمستقیم، واللّٰه الـعالم.‏

‏ثمّ إنّ الـمعروف تقسیم الـهدایـة إلـیٰ الـهدایـة بمعنیٰ إراءة الـطریق،‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 73
‏والـهدایـة بمعنیٰ الإیصال إلـیٰ الـمطلوب، ولکنّـه لـیس من قبیل الـمعنیین‏‎ ‎‏للّفظ الـواحد، بل هذا تقسیم لـلمعنیٰ الـواحد، ولذلک ینقسم الـهدایـة إلـیٰ‏‎ ‎‏أکثر من هذا.‏

‏قال الـراغب: «هدایـة اللّٰه تعالیٰ لـلإنسان علیٰ أربعـة أوجـه»‏‎[15]‎‏،‏‎ ‎‏ولکنّک ستطّلع فی أثناء الـمباحث الآتیـة علیٰ أنّ هدایـة اللّٰه تعالیٰ غیر‏‎ ‎‏متناهیـة الأقسام، فلیتدبّر جیّداً.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 2)صفحه 74

  • )) أقرب الموارد 2 : 1380 .
  • )) الصحاح 4 : 2533 .
  • )) لسان العرب 15 : 353 .
  • )) مریم (19) : 76 .
  • )) الصافات (37) : 34 .
  • )) الأعراف (7) : 148 .
  • )) النساء (4) : 175 .
  • )) الصحاح 4 : 2533 .
  • )) لسان العرب 15 : 355 .
  • )) محمّد (47) : 17 .
  • )) تاج العروس 10 : 406 ـ 407 .
  • )) یونس (10) : 35 .
  • )) یوسف (12) : 16 .
  • )) الفتح (48) : 2 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 538 .